بأهله، انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فمازال يلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ والبخاري يقول له: لا أعرفه، فكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فهم الرجل، من كان لم يدر القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتدب رجل أيضًا من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلقي عليه واحدًا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول له: لا أعرفه، ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا.
فلما عرف أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول فقال: أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاة حتى أتى على تمام العشرة فرد كل سند إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.
قال شيخ الإسلام ابن حجر: هنا [يخضع للبخاري] (١) فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظًا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة.
ذكر مشايخ البخاري
وأما مشايخه الذين كتب عنهم فقد نقل عنه أنه قال: كتبت عن ألف وثمانين نفسًا، ليس منهم إلا صاحب حديث.
ونقل عنه أنه قال: ما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به.
وأما الجماعة الذين قرؤوا عليه وأخذوا عنه الحديث فخلق كثيرون نحو مائة ألف أو يزيدون، أو ينقصون، وكان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفًا يأخذون عنه.
ذكر تعظيم الناس للبخاري
وأما ثناء الناس عليه وتعظيمهم له فقد قال ابن خزيمة: «ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه وأحفظ» (٢) .
_________
(١) ما بين [] هكذا بالأصل، وفي مقدمة فتح الباري (ص ٤٨٦) يقول ابن حجر: قلت: هنا يخضع العالمين ... إلى آخره. وانظر أيضًا تغليق التعليق (٥/٤١٥) .
(٢) انظر: التقييد (ص ٣٢)، وتذكرة الحفاظ (٢/٥٥٦)، وابن حجر في تغليق التعليق (٥/٤١١)، وفي مقدمة فتح الباري (ص ٤٨٥) .
1 / 48