Majalis Ramadan - Ahmed Fareed
مجالس رمضان - أحمد فريد
शैलियों
سعادة الصالحين وأخبارهم في عبوديتهم لله
مهما أكمل العبد عبوديته لله ﷿ سعد في الدنيا والآخرة، ومهما نقصت عبوديته نقصت سعادته، ولذلك يخبرنا الصالحون كيف وجدوا السعادة التي ما ذقنا شيئًا منها لضعف إيماننا ويقيننا وقلة توحيدنا، فقال بعضهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من نعمة لجالدونا عليها بالسيوف.
وقال بعضهم: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وقال بعضهم: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة.
وقال بعضهم: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة كالذي نحن فيه والله إنهم لفي عيش طيب.
وقال بعضهم: والله! إنه لتمر بي أوقات يرقص فيها القلب طربًا.
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كان يقول: ما يفعل بي أعدائي، أنا جنتي معي، وبستاني في صدري، إن سجني خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وتعذيبي جهاد في سبيل الله.
ولما سجن في القلعة نظر من خلف الباب وقال: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد:١٣].
وكان يقول: لو أملك ملء القلعة ذهبًا ما استطعت أن أكافئهم على ما قدموه لي من الخير.
وكان يقول: المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه.
وكان يكثر أن يقول في سجوده وهو مسجون: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
يصفه تلميذه المحقق ابن القيم فيقول: كنا إذا ضاقت بنا الأمور، واشتدت بنا الأحوال نلقاه، فما أن نراه وننظر إليه إلا ذهب كل ذلك عنا، وانقلب انشراحًا وفرحًا، ولقد كان من أطيب الناس عيشًا مع ما كان فيه من شدة العيش وخلاف الرفاهية، كانت نضرة النعيم تلوح على وجهه.
فالحمد لله الذي فتح لعباده بابًا إلى جنته، فأتاهم من ريحها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، وهم ما يزالون في دار العمل، فـ شيخ الإسلام تجاوز الستين سنة وما وجد حياة الاستقرار حتى يتزوج؛ لأنه كان من سجن إلى سجن، ومن معركة إلى معركة، ومن مناظرة إلى مناظرة، وما سعى يومًا لأن يتزوج زوجة حسناء، أو يملك سرية حوراء، ولا دارًا قوراء، ولا سعى خلف دينار ولا درهم.
فالذي يحقق العبودية لله ﷿، وتكتمل عبوديته له تكتمل سعادته في الدنيا والآخرة، بل يسعد به من رآه.
وكان أيوب السختياني سيد شباب أهل البصرة من التابعين، كان إذا دخل السوق ورآه أهل السوق سبحوا وهللوا وكبروا، لما يرون على وجهه من أنوار العبادة، فمن أقبل على الله ﷿ أقبل الله ﷿ عليه، ومن أقبل الله ﷿ عليه أضاءت ساحاته واستنارت جوارحه.
والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه، وكل نفس من أنفاسه إذا ذهب لم يرجع إليه، فمطايا الليل والنهار تسير به ولا يتفكر إلى أين يحمل، ويسار به أعظم من سير البريد، ولا يدري إلى أي الدارين ينقل، حتى إذا نزل به الموت اشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته، لا لما سبق من تفريطه حيث لم يقدم لحياته، فإذا خطرت له خطرة عارضة لما خلق له، دفعها باعتماده على العفو، وقال: قد أنبئنا بأنه هو الغفور الرحيم، وكأنه لم ينبأ بأن عذابه هو العذاب الأليم.
ولما علم الموفقون لما خلقوا له، وما أريد بإيجادهم رفعوا رءوسهم، فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من بعض الغبن بيع ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في أبد لا يزول ولا ينفد بصبابة عيش، إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام، مشوب بالنغص، ممزوج بالغصص، إن أضحك قليلًا أبكى كثيرًا، وإن سر يومًا أحزن شهورًا.
آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف مسراته، فيا عجبًا من سفيه في صورة حليم، ومعتوه في مسلاخ عاقل، آثر الحظ الفاني على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها الأرض والسماوات بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار، وأبكارًا عربًا أترابًا كأنهن الياقوت والمرجان بخبيثات قذرات سيئات الأخلاق مسافحات أو متخذات أخدان، وحورًا مقصورات في الخيام بخبيثات سيبات بين الأنام، وأنهارًا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل، مفسد للدنيا والدين، ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم، بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان، والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل جبار عنيد.
وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة، وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسرة والندامة، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدًا وسيق المجرمون إلى جهنم وردًا، ونادى المنادي على رءوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد، فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام، وادخر لهم من الفضل والإنعام، لعل
3 / 4