============================================================
المبحث الثاني (المحكم والمتشابه في القرآن العظيم يقنع بترك التأويل في صفات الله تعالى؟ فإن امتنع من التأويل أصلا فقد أبطل الشريعة والعلوم، إذما من آية وخبر إلا ويحتاج إلى تأويل وتصرف في الكلام لأن ثم أشياء لا بد من تأويلها، لا خلاف بين العقلاء فيه إلا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا يؤدي إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع.
وإن قال: يجوز التأويل على الجملة إلا فيما يتعلق بالله وبصفاته فلا تأويل فيه. فهذا مصير منه إلى أن ما يتعلق بغير الله تعالى يجب أن يعلم، وما يتعلق بالصانع وصفاته يجب التغاضي عنه، وهذا لا يرضى به مسلم.
وسر الأمر: أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير أنهم يدلسون، ويقولون: "له يد لا كالأيدي، وقدم لا كالأقدام، واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا". فليقل المحقق: هذا كلام لا بد له من استبيان.
قولكم: "نجري الأمر على الظاهر، ولا يعقل معناه" تناقض، إن أجريت على الظاهر فظاهر السياق فى قوله: يوم يكشف عن ساق [القلم/42]، هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاء فهو الكفر، وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر؟(1) ألست قد تركت الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى بمايوهم الظاهر، فكيف يكون أخذا بالظاهر؟!
وإن قال الخصم: هذه الظواهر لا معنى لها أصلا، فهو حكم بأنها ملغاة وماكان في ابلاغها إلينا فائدة وهي هدر وهذا محال. وفى لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع فى الخطاب، وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد، فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية، ومن أحاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق؛ (1) قال الحافظ المفسر ابن جرير الطبري في تفسيره (554/23) في تأويل (الساق): "قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد". ثم نقل ذلك عن: (ابن عباس)، و(مجاهد)، و(سعيد بن خبير)، و(قتادة) وغيرهم من أئمة السلف.
पृष्ठ 114