267

كأنه قيل : فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله كما هو المقرر فاحترزوا من إنكار كونه منزلا من عند الله سبحانه ، فإنه مستوجب للعقاب بالنار ، لكن أوثر عليه الكناية المذكورة المبنية على تصوير العناد بصورة النار ، وجعل الاتصاف به عين الملابسة بها ، للمبالغة في تهويل شأنه ، وتفظيع أمره ، وإظهار كمال العناية بتحذير المخاطبين منه ، وتنفيرهم عنه ، وحثهم على الجد في تحقيق المكني به وفيه من الإيجاز البديع ما لا يخفى. حيث كان الأصل : فإن لم تفعلوا فقد صح صدقه عندكم ، وإذا صح ذلك كان لزومكم العناد ، وترككم الإيمان به ، سببا لاستحقاقكم العقاب بالنار ، فاحترزوا منه واتقوا النار ( التي وقودها الناس والحجارة ) صفة للنار مورثة لها زيادة هول وفظاعة أعاذنا الله منها برحمته الواسعة و «الوقود» ما توقد به النار ، وترفع من الحطب. وقرئ بضم الواو ، وهو مصدر سمي به المفعول مبالغة كما يقال : فلان فخر قومه ، وزين بلده فإن قيل : صلة الذي والتي يجب أن تكون قصة معلومة للمخاطب ، فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟

قلت : لا يمتنع أن يتقدم لهم بذلك سماع من آيات التنزيل المتقدمة عليها ، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو من أهل الكتاب. والمراد بالحجارة الأصنام ، وبالناس أنفسهم حسبما ورد في قوله تعالى : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) [الأنبياء : 98] فإنها مفسرة لما نحن فيه وحكمة اقترانهم مع الحجارة في الوقود : أنهم لما اعتقدوا في حجارتهم المعبودة من دون الله أنها الشفعاء والشهداء الذين يستنفعون بهم ، ويستدفعون المضار عن أنفسهم بمكانهم ، جعلها الله عذابهم ، فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغا في إيلامهم ، وإغراقا في تحسيرهم. ونحوه ما يفعله بالكانزين الذين جعلوا ذهبهم وفضتهم عدة وذخيرة ، فشحوا بها ، ومنعوها من الحقوق ، حيث يحمى عليها في نار جهنم. فتكوى جباههم وجنوبهم ( أعدت للكافرين ) هيئت لهم ، وجعلت عدة لعذابهم ، والمراد : إما جنس الكفار والمخاطبون داخلون فيهم دخولا أوليا ، وإما هم خاصة ، ووضع الكافرين موضع ضميرهم لذمهم ، وتعليل الحكم بكفرهم والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها. ومبينة لمن أريد بالناس ، دافعة لاحتمال العموم.

(تنبيه) هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدي الكافرين بالتنزيل الكريم. وقد تحداهم الله تعالى في غير موضع منه ، فقال في سورة القصص ( قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين )

पृष्ठ 270