महासिन
المحاسن والمساوئ
وحدثنا أبو طالب الجعفري قال: حدثني سليمان بن أبي جعفر أن محمد بن إبراهيم الإمام ركب إلى الفضل بن يحيى يومًا وكان قد ركبه دين وحمل حقة فيها جوهر، فلما وصل إليه قال: قد لزمني دين أحوجني إلى احتيال ألف ألف درهم، وعلمت أن التجار لا يسمحون بإخراج مثلها وإن وثقنا الرهن ولك معاملون وتجار مطيعون ومعي رهن فإن رأيت أن تأمر بقبضه وحمل هذا المال إلينا فأنت أولى بذلك، فقال الفضل: نعم لنا تجار يطيعوننا ويسارعون إلى أمرنا، ولكن ما هذا الرهن؟ فوضع الحقة بين يديه، ففتحها حتى نظر إليها فأُعجب بالجوهر الذي فيها، ثم أمر بإعادتها إلى حالها وقال: ضع خاتمك عليها، فختمها، قال فقال الفضل: إن نُجح الحاجة أن تقيم في منزلي الذي أنا فيه، فقال: يشق عليّ المقام، فقال: وما يشق عليك؟ إن رأيت أن تلبس من ثيابنا شيئًا دعوت لك به وإلا فابعث إلى منزلك لتؤتى به، فأقام عنده، ونهض الفضل فدعا وكيله وأمر أن يحمل إلى منزل محمد بن إبراهيم ألف ألف درهم مبدرة ويضعها قبالة مجلسه ليراها إذا دخل، ففعل الوكيل ذلك، وانصرف محمد إلى منزله مع المغرب، فلما دخل وقعت عينه على المال فقال: ما هذا؟ قالوا: وجه به الفضل، قال: أحسن الله جزاءه فإنه وإن كان وجه بذلك على ما رهنّاه فقد ظهر لنا من عنايته ما قدّرناه فيه، قالوا: وما الرهن؟ قال: الحقة، قالوا: قد ردها تحت خاتمك، فقال: أين هي؟ فأُتي بالحقة ففتحها حتى نظر إليها وفرح فرحًا شديدًا فعدا إلى الفضل فوجده قد سبقه إلى دار أمير المؤمنين فتبعه فلم يزل واقفًا ينتظره حتى خرج الفضل من باب آخر فصار إلى منزله وشكر له ما كان منه وانصرف عنه، فلما دخل منزله وجد فيه ألف ألف درهم سوى الأولى، فقال: ما هذا؟ قالوا: بعث به الفضل، فأتاه فقال له: جعلت فداك! أما كان فيما وجّهت به أمس كفاية حتى أردفته بمثله؟ فقال: إنه والله طالت عليّ ليلتي فركبت إلى أمير المؤمنين وأعلمته حالك فأمرني بالتقدير لك فقدّرت مائة ألف دينار، فما زال يقول ويماكسني حتى وقفت على ألف ألف فأمر لك بها فلم أنصرف إلى المنزل حتى حُمل المال إليك، فقال محمد: لست أجد لك شكرًا أقضي به حقك غير أنه على ابن محمد بن علي وعليه من الأيمان المغلظة إن وقفت بباب أحد سواك أبدًا حتى ألقى الله جل وعز ولا أسأل أحدًا حاجة ما بقيت سواك، فكان لا يركب إلى أحد سوى الفضل ولا يقف بباب أحد غيره.
1 / 99