164
فوجم لها ثم قال: تقدمني. فتقدمته فأذن له فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وأقبل عليّ على يده ورجله يقبلهما ويقول: يا عم ارض عني رضي الله عنك! قال: قد رضيت عنك، ثم قال: يا ابن أخي قد كنت أشرت عليك بأشياء فلم تقبل مني فرأيت في عاقبتها ما كرهت وها أنا أشير عليك برأي آخر فإن قبلته وإلا نالك ما نالك. فقال: وما الذي كنت أشرت به يا عم؟ قال: أشرت عليك لما قُبض رسول الله، ﷺ، أن تسأله فإن كان الأمر فينا أعطاناه وإن كان في غيرنا أوصى بنا. فقلت: إن منعناه لم يعطنا أحد بعده. فمضت تلك، فلما قبض رسول الله، ﷺ، أتانا سفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك إلى أن نبايعك فقلت: ابسط يدك حتى نبايعك، فإنا إن بايعناك لم يختلف عليك منافيّ وإن بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك قرشي وإن بايعتك لم يختلف قريش لم يختلف عليك أحد من العرب. فقلت: في جهاز رسول الله، ﷺ، شغلٌ وليس عليّ فوت. فلم نلبث أن سمعنا التكبير من سقيفة بني ساعدة فقلت: ما هذا يا عم؟ فقلت: هذا ما دعوناك إليه فأبيته! قلت: سبحان الله ويكون هذا! قلت وهل رد مثل هذا؟ ثم أشرت عليك حين طُعن عمر، ﵀، أن لا تدخل نفسك في الشورى فإنك إن اعتزلتهم قدّموك وإن ساويتهم تقدموك. فدخلت معهم فكان ما رأيت. وها أنا أقول لك الآن: أرى هذا الرجل، يعني عثمان بن عفان، ﵀، يأخذ في أمور ولكأني بالعرب قد سارت إليه حتى يُنحر كما ينحر الجزور، والله لئن كان ذاك وأنت بالمدينة ليرمينك الناس بدمه ولئن فعلوا لا تنال من هذا الأمر شيئًا إلا بشر لا خير معه. قال ابن عباس: فلما قتل عثمان، ﵁، خرج عليّ وهو على بغلة رسول الله، ﷺ. وأنا عن يمينه وابن القاريء عن يساره، وكان من أمر طلحة والزبير ما كان، وقتل طلحة عشية ذلك اليوم وأنا أرى الكراهية في وجه عليّ، ﵁. فقال: أما والله لقد كنت أكره أن أرى قريشًا صرعى تحت بطون الكواكب، ولكن نظرت إلى ما بين الدفتين فلم أر يسعني إلا قتالهم أو الكفر، ولئن كان قال هؤلاء ما سمعت في طلحة لقد كان كما قال أخو جعفى: فتىً كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر ورحم الله عمي فكأنما يطلع إلى الغيب من ستر رقيق، صدق والله ما نلت من هذا الأمر شيئًا إلا بعد شر لا خير معه. قال: وقال ابن عباس لعلي، ﵁: اجعلني السفير بينك وبين معاوية في الحكمين فوالله لأفتلنّ له حبلًا لا ينقطع وسطه ولا ينتشر طرفاه. قال علي، ﵀: لست من كيدك وكيد معاوية في شيء، والله لا أعطيه إلا السيف حتى يدخل في الحق. قال ابن عباس: وهو والله لا يعطيك إلا السيف حتى يغلب بباطله حقك. قال علي، ﵁: وكيف ذاك؟ قال: لأنك تطاع اليوم وتعصى غدًا وإنه يُطاع فلا يعصى. فلما انتشر على عليّ، ﵁، أصحابه وابن عباس بالبصرة قال: لله ابن عباس إنه لينظر إلى الغيب من ستر دقيق. ومثله خبر عمر بن الخطاب، ﵁، حين قال لأصحابه: دلوني على رجل أستعمله على أمرٍ قد أهمني. قالوا: فلان. قال. لا حاجة لنا فيه. قالوا: فمن تريد؟ قال: أريد رجلًا إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. قالوا: ما نعرف هذه الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتم. فولاه. ومنه خبر صاحب الأمين، فإنه حكي أنه كان بمدينة السلام شيخ من الكتاب مسنّ قد اعتزل لأمور وكان يوصف بجودة الرأي، فدعاه محمد الأمين وشاوره في أمر أخيه المأمون وما ينبغي أن يعامله حتى يقع في يده. فقال: إن استعجلت لم تنتفع بفعل ولا رأي، وإن تمهلت وقبلت مشورتي تمكنت من أخيك وذاك أنك تدعو بحُجاج خراسان إذا قدموا مدينة السلام وتجلس مجلسًا حافلًا وتقول لهم: إن أخي كتب إلي يحمدكم ويذكر سمعكم وطاعتكم وجميل مذاهبكم، وتجزيهم الخير ثم تقول: قد أسقطت عنكم خراج سنة، وأخوك في بلد رجال بلا مال وليس له في نقض قولك حيلة وسيناله من ذلك خلل شديد حتى ينتقض أكثر أمره، ثم تفعل مثل ذلك في السنة المقبلة وترفع عنهم خراج سنتين، فإن لم يأتوك بأخيك في وثاق وكنت حيًا فاضرب عنقي.

1 / 164