[المقدمة]
مقدمة التحقيق
ولد أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ بالمدينة سنة ١٣٠ هـ في آخر خلافة مروان ابن محمد، فيما يذكر تلميذه وكاتبه ابن سعد [(١)] .
وقد ذكر الصفدي [(٢)] وابن تغرى بردى [(٣)] أنه ولد سنة ١٢٩ هـ. ويذكر أبو الفرج الأصفهانى أن أمه هي بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر، التي كان والدها فارسيا [(٤)] .
وكان الواقدي مولى لبنى سهم، إحدى بطون بنى أسلم [(٥)]، وليس كما ذكر ابن خلكان من أنه كان مولى لبنى هاشم [(٦)] .
ولم تفض المصادر في أخبار الواقدي في بدء حياته، ولكن من الواضح أنه اجتهد منذ سن مبكرة في جميع المعلومات عن المغازي والسيرة النبوية.
روى ابن عساكر [(٧)] فيما يذكر المسيبى: كان الواقدي يجلس إلى أسطوانة في مسجد المدينة، وسئل: أى شيء تدرس؟ قال: جزئى من المغازي. وأورد الخطيب البغدادي نفس الخبر عن السمي [(٨)] .
_________
[(١)] الطبقات، ج ٧ (٢)، ص ٧٧.
[(٢)] الوافي بالوفيات، ج ٤، ص ٢٣٨.
[(٣)] النجوم الزاهرة، ج ٢، ص ١٨٤.
[(٤)] الأغانى، ج ٨، ص ٣٢٢.
[(٥)] الطبقات، ج ٥، ص ٣١٤، عيون الأثر، ج ١، ص ١٧، الفهرست لابن النديم، ص ١٤٤، تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٣ (ب)، تذكرة الحفاظ، ج ١، ص ٣٤٨، سير أعلام النبلاء، ج ٧، ورقة ١١٧ (ب)، لسان الميزان، ج ٦، ص ٨٥٢، شذرات الذهب، ج ٢، ص ١٨، الوافي بالوفيات، ج ٤، ص ٢٣٨، الجرح والتعديل، ج ٤، ص ٢٠، الديباج المذهب، ص ٢٣٠، تهذيب التهذيب، ج ٩، ص ٣٦٣.
[(٦)] وفيات الأعيان، ج ١، ص ٦٤٠.
[(٧)] تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١) .
[(٨)] تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٧.
المقدمة / 5
وقد أفاضت أكثر المراجع في ذكر عناية الواقدي بجمع التفاصيل عن الأخبار والأحاديث والروايات المختلفة، وأشادت بجهوده فى هذا السبيل.
روى ابن عساكر، والخطيب البغدادي، وابن سيد الناس [(١)] عن الواقدي أنه قال: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء، ولا مولى لهم إلا سألته:
هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل؟ فإذا أعلمنى مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه.
وقد رويت أخبار مشابهة عن هارون الفروى، قال: رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة، فقلت: أين تريد؟ قال: أريد أن أمضى إلى حنين، حتى أرى الموضع والوقعة [(٢)] .
ويشهد لنباهة الواقدي في هذا الشأن ما ذكر من أن هارون الرشيد، ويحيى بن خالد البرمكي- حين زارا المدينة في حجّهما- طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فدلوهما على الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مرّ بهما عليه [(٣)] .
وكان لقاء الواقدي بيحيى بن خالد خيرا وبركة على الواقدي، وقد ظلت هذه الصّلة بينهما حتى بعد نكبة البرامكة [(٤)] . وقد صرف الواقدي المنحة التي منحه إياها هارون الرشيد- وقدرها عشرة آلاف درهم- فى قضاء ديون كانت قد تراكمت عليه، كما أنفق منها على زواج بعض ولده، وبقي في يسر وسعة [(٥)] .
وقد أجمعت كل المصادر التي ترجمت للواقدي على أنه كان جوادا كريما معروفا بالسخاء، مما سبّب له اضطرابا ماديا، ظلّ يعانى منه طول حياته [(٦)] .
_________
[(١)] تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١)، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٦، عيون الأثر، ج ١، ص ١٨.
[(٢)] تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١)، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٦، عيون الأثر، ج ١، ص ١٨.
[(٣)] انظر القصة بتمامها في ابن سعد (الطبقات، ج ٥، ص ٣١٥) .
[(٤)] الطبقات، ج ٥، ص ٣١٩.
[(٥)] الطبقات، ج ٥، ص ٣١٥.
[(٦)] تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٥ (١)، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٣، عيون الأثر، ج ١، ص ١٧.
المقدمة / 6
شخوصه إلى العراق:
وفي سنة ١٨٠ هـ غادر أبو عبد الله المدينة إلى العراق [(١)] . فيروى الخطيب البغدادي أن الواقدي قال: كنت حناطا (بائع حنطة) بالمدينة، فى يدي مائة ألف درهم للناس أضراب بها، فتلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد [(٢)] . أما ابن سعيد فيقول: إنه ذهب إلى العراق في دين لحقه [(٣)] .
ويبدو أن السبب الحقيقي لنزوحه إلى العراق هو رغبته في لقاء يحيى بن خالد البرمكي، حيث جذبت شخصية الواقدي اهتمام يحيى حين التقيا في الحج بالمدينة، فكأنما أراد الواقدي أن يخرج بعلمه وآماله إلى مجال أرحب، حيث الأضواء تتألق فى بغداد، لؤلؤة الرشيد. ويؤيد هذا ما يذكره ابن سعد في معرض آخر فيقول عن الواقدي: ثم إن الدهر أعضّنا، فقالت لى أم عبد الله: يا أبا عبد الله، ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تسير إليه حيث استقرّت به الدار، فرحلت من المدينة [(٤)] . وعند وصوله إلى بغداد، وجد الخليفة والبلاط قد انتقلوا إلى الرقة بالشام، فأزجى مطيته نحو الشام، ولحق بهم هناك [(٥)] . فتلقاه يحيى بن خالد بما عرف عن البرامكة من سماحة وأريحية.
وفي رحاب البرامكة أقبل الخير على الواقدي من كل وجه، فعطاياهم له موصولة بعطايا الرشيد وابنه المأمون. يحدّثنا الواقدي فيقول: صار إلىّ من السلطان ستمائة ألف درهم، ما وجبت علىّ فيها الزكاة [(٦)] . ويرجع الواقدي من الرقة إلى بغداد، ويبقى فيها حتى يعود المأمون من خراسان، ويجعله قاضيا لعسكر المهدى في الجانب الشرقي من بغداد، فيما يذكر ابن سعد [(٧)] .
_________
[(١)] الطبقات، ج ٧ (٢)، ص ٧٧، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٤.
[(٢)] تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٤.
[(٣)] الطبقات، ج ٧ (٢)، ص ٧٧.
[(٤)] الطبقات، ج ٥، ص ٣١٥.
[(٥)] انظر تفاصيل رحلته إلى الشام في ابن سعد (الطبقات، ج ٥، ص ٣١٥) .
[(٦)] تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٢٠.
[(٧)] الطبقات، ج ٧ (٢)، ص ٧٧.
المقدمة / 7
أما ابن خلكان، فينقل عن ابن قتيبة، أنّ الواقدي توفى وهو قاض بالجانب الغربي من بغداد [(١)] . وقد ناقش هوروفتس هذا الرأى، مخطئا ابن خلكان، فيقول: إنه- أى ابن خلكان- قد أخطأ في فهم قول ابن قتيبة. ونصّه:
وتوفى الواقدي سنة سبع ومائتين، وصلى عليه محمد بن سماعة التميمي، وهو يومئذ قاض على الجانب الغربي. وواضح من هذا النصّ أن الذي كان قاضيا على الجانب الغربي من بغداد هو محمد بن سماعة، وليس الواقدي [(٢)] .
وليس ثمة شك في أن الواقدي توفى وهو قاض على الجانب الشرقىّ ببغداد، على أنه كان قد أقام مدة في الجانب الغربي قبل أن يوليه المأمون قاضيا على عسكر المهدى، كما أجمعت مصادر عدة على ذلك. ولما انتقل الواقدي من الجانب الغربي يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر [(٣)] .
أما ياقوت [(٤)] فيذكر أن هارون الرشيد قد ولى الواقدي القضاء بشرقىّ بغداد قبل أن يوليه المأمون قضاء عسكر المهدى. وهذا أقرب إلى الصواب، فليس من المعقول أن تتأخر تولية الواقدي القضاء حتى يرجع المأمون من خراسان ويوليه، فقد كان الواقدي على صلة طيبة بهارون الرشيد.
وعلى الرغم من صلة الصداقة المعقودة بين الواقدي ويحيى بن خالد والبرامكة، فإن ذلك لم يمنع المأمون من توليته القضاء، بل كرمه ورعاه بعد نكبة البرامكة [(٥)] . وقد ذهب المأمون في تكريم الواقدي إلى أبعد من هذا، إذ ولّاه منصبا يتمتع فيه بقوّة السلطان والنفوذ. فيصف ابن حجر العسقلاني الواقدي بأنه أحد الأعلام، وقاضى العراق وبغداد [(٦)] . ويورد السهمي في أثناء ترجمة الأشعث بن هلال قاضى جرجان، أن
_________
[(١)] وفيات الأعيان، ج ١، ص ٦٤١.
[(٢)] . ٥١٣، ١٩٢٨ IslamicCulture، The earliest biograophet and their auth، J. Horoviz ٠٩٣٧٩٤٢٤١، ١٩٣٧٩٤٢٤١
[(٣)] الوافي بالوفيات، ج ٤، ص ٢٣٨، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٥، عيون الأثر، ج ١، ص ١٨، سير أعلام النبلاء، ج ٧، ورقة ١١٨.
[(٤)] معجم الأدباء، ج ١٨، ص ٢٧٩.
[(٥)] شذرات الذهب، ج ٢، ص ١٨.
[(٦)] لسان الميزان، ج ٦، ص ٨٥٢.
المقدمة / 8
الواقدي ولّاه القضاء من بغداد [(١)] . وأخيرا يتربع الواقدي على قضاء عسكر المهدى مدّة أربع سنوات قبل وفاته [(٢)] .
وعلى الرّغم من الصلات والأعطيات التي أغدقها هارون الرشيد ووزيره يحيى وابنه المأمون على الواقدي فإنه توفى ولم يكن يملك ما يكفن به، فأرسل المأمون بأكفانه [(٣)] . وكان الواقدي قد أوصى إلى المأمون فقبل وصيته وقضى دينه [(٤)] .
وفاته:
اختلف في تاريخ وفاته، فابن خلكان [(٥)] يذكر أنه توفى سنة ٢٠٦ هـ.
وتذكر مصادر أخرى ومنها طبقات ابن سعد أنه توفى فى ذى الحجة سنة ٢٠٧ هـ[(٦)] ويروى الخطيب البغدادي بسنده عن عبد الله الحضرمي أن الواقدي توفى سنة ٢٠٩ هـ[(٧)] .
وإذا كان لنا أن نرجح إحدى هذه الروايات، فأولاها بالقبول الرواية الثانية، التي ذكرها ابن سعد، وذلك لتلمذته له وقربه منه وكتابته له، ثم لتحديده ليلة الوفاة ويوم الدفن من الشهر والسنة إذ يقول: مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع ومائتين، ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران، وهو ابن ثمان وسبعين سنة [(٨)] . وهذا بالإضافة إلى ورودها في أغلب المصادر.
_________
[(١)] تاريخ جرجان، ص ١٢٥.
[(٢)] الوافي بالوفيات، ج ٤، ص ٢٣٨.
[(٣)] تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٣ (ب)، تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٢٠.
[(٤)] الطبقات، ج ٥، ص ٣٢١.
[(٥)] وفيات الأعيان، ج ١، ص ٦٤١.
[(٦)] الطبقات، ج ٧ (٢)، ص ٧٧، تاريخ مدينة دمشق، ج ١١، ورقة ٣ (ب)، تذكرة الحفاظ، ج ١، ص ٣٤٨، معجم الأدباء، ج ١٨، ص ٢٨١.
[(٧)] تاريخ بغداد، ج ٣، ص ٢٠.
[(٨)] الطبقات، ج ٧ (٢)، ص ٧٧.
المقدمة / 9
كتب الواقدي:
كان الواقدي يجتهد في جمع الأحاديث. وقد بلغ ما جمعه منها على ما يرويه على بن المديني عشرين ألف حديث [(١)] . ويروى ابن سيد الناس عن يحيى بن معين: أغرب الواقدي على رسول الله ﷺ في عشرين ألف حديث.
وقد روينا عنه من تتبعه آثار مواضع الوقائع، وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال سلفهم، ما يقتضى انفرادا بالروايات، وأخبارا لا تدخل تحت الحصر [(٢)] .
ويقول ابن النديم: إنه كان عنده غلامان يعملان ليلا ونهارا في نسخ الكتب.
وقد ترك عند وفاته ستمائة قمطر من الكتب يحتاج كل منها إلى رجلين لحمله [(٣)] .
وواضح أن الواقدي قد صرف عنايته للعلوم الإسلامية بعامة، وللتاريخ منها بخاصة. يقول إبراهيم الحربي: إنه كان أعلم الناس بأمر الإسلام. قال: فأما فى الجاهلية فلم يعلم فيها شيئا [(٤)] .
ويتجلى هذا في وصف كاتبه وتلميذه ابن سعد وغيره له. يقول ابن سعد:
وكان عالما بالمغازى، والسيرة، والفتوح، واختلاف الناس في الحديث، والأحكام، واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه، وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدّث بها [(٥)] .
أما المصادر التي ذكرت كتبه، فإننا نورد كتبه هنا حسبما جاءت في الفهرست لابن النديم [(٦)]، مع المقارنة بغيره من المصادر:
١- كتاب التاريخ والمغازي والمبعث.
٢- كتاب أخبار مكة
_________
[(١)] تاريخ بغداد، ج ٣، ص ١٣.
[(٢)] عيون الأثر، ج ١، ص ٢٠.
[(٣)] الفهرست، ص ١٤٤.
[(٤)] سير أعلام النبلاء، ج ٧، ورقة ١١٧ (ب) .
[(٥)] الطبقات، ج ٥، ص ٣١٤.
[(٦)] الفهرست، ص ١٤٤.
المقدمة / 10
٣- كتاب الطبقات.
٤- كتاب فتوح الشام.
٥- كتاب فتوح العراق.
٦- كتاب الجمل.
٧- كتاب مقتل الحسين.
٨- كتاب السيرة.
٩- كتاب أزواج النبي.
١٠- كتاب الردّة والدّار.
١١- كتاب حرب الأوس والخزرج.
١٢- كتاب صفيّن.
١٣- كتاب وفاة النبي.
١٤- كتاب أمر الحبشة والفيل.
١٥- كتاب المناكح.
١٦- كتاب السقيفة وبيعة أبى بكر.
١٧- كتاب ذكر القرآن.
١٨- كتاب سيرة أبى بكر ووفاته.
١٩- كتاب مراعى قريش والأنصار في القطائع، ووضع عمر الدواوين، وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها.
٢٠- كتاب الرغيب في علم القرآن وغلط الرجال.
٢١- كتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين.
٢٢- كتاب ضرب الدنانير والدراهم.
٢٣- كتاب تاريخ الفقهاء.
٢٤- كتاب الآداب.
المقدمة / 11
٢٥- كتاب التاريخ الكبير.
٢٦- كتاب غلط الحديث.
٢٧- كتاب السنة والجماعة، وذم الهوى، وترك الخوارج في الفتن.
٢٨- كتاب الاختلاف.
ويتفق هذا مع ما أورده ياقوت في كتابه معجم الأدباء [(١)]، مع الاختلاف الآتي:
١- الكتاب رقم ٦ يذكره باسم «كتاب يوم الجمل» .
٢- الكتاب رقم ١٩ لم يذكر فيه العبارة الأخيرة، وهي «وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها» .
٣- الكتاب رقم ٢٠ يذكره باسم «كتاب الترغيب في علم القرآن» .
٤- الكتاب رقم ٢١ يذكره على أنه كتابان، أحدهما «مولد الحسن والحسين» والآخر «مقتل الحسين» .
٥- الكتاب رقم ٢٢ يذكره باسم «السنة والجماعة وذم الهوى» .
وكذلك أورد الصفدي أسماء كتبه مع الاختلاف الآتي [(٢)]:
١- لم يذكر الصفدي الكتابين رقم ٨ وهو «كتاب السيرة»، ورقم ١٢ وهو «كتاب صفين» .
٢- الكتاب رقم ١١ أورده باسم «حروب الأوس والخزرج» .
٣- الكتاب رقم ١٨ أورده باسم «ذكر الأذان» .
٤- الكتاب رقم ١٩ لم يذكر فيه العبارة الأخيرة وهي «وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها» كما لم يفعل ياقوت.
_________
[(١)] معجم الأدباء، ج ١٨، ص ٢٨١.
[(٢)] الوافي بالوفيات، ج ٤، ص ٢٣٩.
المقدمة / 12
٥- الكتاب رقم ٢٠ أورده باسم «كتاب الترغيب في علم المغازي وغلط الرجال» ٦- الكتاب رقم ٢١ ذكره باسم «كتاب مولد الحسن والحسين ومقتله» .
٧- الكتاب رقم ٢٢ ذكره باسم «كتاب ضرب الدنانير» .
٨- الكتاب رقم ٢٨ ذكره باسم «كتاب اختلاف أهل المدينة والكوفة في أبواب الفقه» .
وقد أورد صاحب كشف الظنون- فيما يذكره عنه صاحب هدية العارفين- هذه الكتب جميعا مع فارق بسيط جدا في بعض الأسماء ولم يزد عليها سوى كتاب واحد هو «تفسير القرآن» [(١)] ولعله هو الذي ذكره ابن النديم باسم «كتاب ذكر القرآن» .
ومن مجموع تصانيف الواقدي هذه كتابان لا نشك في نسبتهما إليه هما «كتاب المغازي»، و«كتاب الردّة»، على أن نقولا من كتبه الأخرى وجدت فى التآليف المتأخرة.
وإذا تأملنا عنوان الكتاب الأوّل كما يذكره ابن النديم وهو «كتاب التاريخ والمغازي والمبعث» يبدو لنا لأوّل وهلة أن «كتاب المغازي» جزء من كتاب ضخم يتضمن التاريخ والمغازي والمبعث، على نسق سيرة ابن إسحاق.
فابن سعد ينقل أحيانا عن الواقدي أخبارا تتعلق بما كان قبل البعثة [(٢)] .
أما الطبري فيعتمد على الواقدي في ذكر بعض الأخبار كغزو الأحباش لليمن مثلا، ووفاة عبد الله بن عبد المطلب [(٣)] .
وحين يتحدّث ابن كثير عن التبايعة لا يعتمد على الواقدي، ولكنه ينقل عن ابن إسحاق، وحين ينقل ابن كثير عن الواقدي أخبارا تتعلق بما قبل البعثة،
_________
[(١)] هدية العارفين، ج ٢، ص ١٠.
[(٢)] الطبقات، ج ١ (١)، ص ٢٢، ص ٣٦، ص ٣٧، ص ٣٩، ص ٤٠، ص ٤١ ... إلخ.
[(٣)] تاريخ، ج ١، ص ٩٤٢، ص ٩٨٠.
المقدمة / 13
نراه ينقل عنه الأخبار التي تتعلق بقرب ظهور النبي [(١)] وولادته [(٢)] .
ويمكن القول أن ما نقله ابن سعد، والطبري، عن الواقدي من أخبار الجاهلية، إنما هو من «كتاب التاريخ والمغازي والمبعث»، وأن هذه الأقسام الثلاثة، تشبه المبتدأ والمبعث والمغازي من سيرة ابن إسحاق، وهذا الاستنتاج يصبح أقلّ قبولا حين نرى الأخبار الضئيلة في الجاهلية قبل الإسلام المنسوبة إلى الواقدي.
وقد رأينا ابن سعد، والطبري، وابن كثير ينقلون كثيرا عن الواقدي عند ذكر المغازي، فإذا كانت المغازي جزءا من كتاب كبير فإنه كان من المنتظر من هؤلاء المؤرخين أن ينقلوا من القسمين الآخرين من الكتاب، وهما التاريخ والمبعث.
ومن المهم في هذا الصدد أن نذكر أن الطبري حين يورد أخبار الجاهلية وما قبل الإسلام فإنه يرويها عن ابن سعد عن الواقدي، وحين يأتى إلى ذكر المغازي فإنه ينقل مباشرة عن الواقدي. وهذا يدلّ على أن الطبري اعتمد على كتاب المغازي، ولم يفعل ذلك بالنسبة لأخبار الجاهلية وما قبل البعثة.
ويستدل من تسمية الكتاب «كتاب التاريخ والمغازي والمبعث» كما ورد في ابن النديم وغيره، أنه ليس كتابا واحدا، ولكنه ثلاثة كتب، هي: «كتاب المغازي»، والكتابان الآخران ربما كانا أقساما من «كتاب التاريخ الكبير»، أو «كتاب السيرة» .
وتبدو المشكلة عينها حين نتأمل عنوان كتابه «الردة والدار» فإن حروب الردّة ومقتل عثمان يثيران السؤال، إذ أنه ليس من المنطق أن يكونا جزءا من كتاب واحد، فبينهما من الزمن نحو ربع قرن! وإذا فمن المعقول أننا أمام كتابين، ولسنا أمام كتاب واحد. ويؤيد ذلك ما جاء في المصادر الأخرى، فقد ذكره السهيلي [(٣)] باسم «كتاب الردة» فقط، وكذلك فعل ابن خير الإشبيلى في
_________
[(١)] البداية والنهاية، ج ٢، ص ٢٤٠.
[(٢)] البداية والنهاية، ج ٢، ص ٢٦٤.
[(٣)] الروض الأنف، ج ٢، ص ١٣٢.
المقدمة / 14
فهرسته [(١)] . ويصفه اليافعي فى مرآة الجنان فيقول: ومنها- أى من كتب الواقدي- «كتاب الردة»، ذكر فيه ارتداد العرب بَعْدَ وَفَاةِ النّبِيّ ﷺ، ومحاربة الصحابة بطلحة بن خويلد الأسدى، والأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب [(٢)] . وكذلك ذكره حاجي خليفة بهذا الاسم [(٣)] .
وأخيرا، يذكر بروكلمان أن هناك نسخة مخطوطة لهذا الكتاب عنوانها «كتاب الردة» وهي محفوظة فى مكتبة خدا بخش فى بانكيبور بالهند [(٤)] . وقد اطلعنا عليها فوجدناها ليست خالصة للواقدي وإنما هي أخبار فى الردة نقل بعضها عن الواقدي وابن إسحاق.
وواضح أن ما نقله ابن سعد والطبري من أخبار الأحداث التي تلت وفاة النبي إنما كانت من كتاب الردّة للواقدي. وكذلك معظم ما ذكره ابن حبيش فى كتابه الغزوات [(٥)] .
كتاب الطبقات:
نستطيع أن نتمثل هذا الكتاب فى ضوء كتاب الطبقات الكبير الذي ألفه تلميذه وكاتبه محمد بن سعد، فقد صنفه على غراره، ونقل عنه كثيرا.
والكاتب الوحيد الذي عاصر الواقدي فى التأليف عن الطبقات هو الهيثم بن عدى [(٦)] . وعلى ذلك فإن الواقدي يعتبر من الرواد الذين أرسوا دعائم علم الرجال.
_________
[(١)] فهرست ما رواه عن شيوخه، ص ٢٣٧.
[(٢)] مرآة الجنان، ج ٢، ص ٣٦.
[(٣)] كشف الظنون، ج ٢، ص ١٤٢٠.
[(٤)] انظر فهرس بانكيبور، ج ٥، ص ١٠٨، رقم ١٠٤٢.
[(٥)] . ٥١٦، ١٩٢٨، J. Horovitz، IslamicCulture
[(٦)] ياقوت، معجم الأدباء، ج ١٩، ص ٣١٠.
المقدمة / 15
كتب الفتوح:
أما فتوح الشام وفتوح العراق للواقدي، فقد فقدا ولم نعثر على أثر لهما، وما يتداوله الناس اليوم باسم «فتوح الشام» و«فتوح العراق» وغيرها، ليست له، إذ أنها متأخرة عنه [(١)] .
وقد نقل البلاذري فى كتابه فتوح البلدان كثيرا عن الواقدي، ولا عجب فى ذلك، فقد كان من تلاميذ ابن سعد كاتب الواقدي، وكذلك نجد كثيرا من هذه النقول عند الطبري وابن كثير. فالطبرى ينقل عن الواقدي تلك الأحداث التي وقعت فى النصف الثاني الهجري وهي الأحداث التي عاشها الواقدي [(٢)] .
وابن كثير ينقل عن الواقدي أيضا الحوادث التاريخية التي وقعت سنة ٦٤ هـ[(٣)]
. حول تشيع الواقدي:
لعل وجود كتابين للواقدي، أحدهما فى مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، والآخر فى مقتل الحسين خاصة، يوهم أنه كان شيعيا، كما ذكر ابن النديم، منفردا بهذا الرأى دون غيره، حيث يقول: وكان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية، وهو الذي روى أن عليا ﵇ كان من معجزات النبي ﷺ، كالعصا لموسى ﵇، وإحياء الموتى لعيسى بن مريم ﵇ وغير ذلك من الأخبار [(٤)] .
وقد نقل صاحب أعيان الشيعة هذا القول عن ابن النديم، مستدلا به على تشيعه، ومن ثم ترجم له [(٥)] . وكذلك ذكره آغا بزرك الطهراني [(٦)]، حين تحدّث عن تاريخ الواقدي.
_________
[(١)] انظر بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، الترجمة العربية، ج ٣، ص ١٧.
[(٢)] تاريخ، ج ٢، ص ٢٥٠٨.
[(٣)] البداية والنهاية، ج ٨، ص ٢٢٩.
[(٤)] الفهرست، ص ١٤٤.
[(٥)] أعيان الشيعة، ج ٤٦، ص ١٧١.
[(٦)] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج ٣، ص ٢٩٣.
المقدمة / 16
على أنه مما يثير الدهشة أن الطوسي- وهو معاصر لابن النديم- لم يذكر الواقدي فى كتابه «الفهرس» ولم يذكر كتابا من كتبه وخاصة تلك التي تتعلق بمولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، على أهمية هذا الأمر الذي شغل جميع علماء الشيعة ومؤرخيهم وجامعى أخبارهم.
ولو سلمنا لابن النديم أن الواقدي كان يلزم التقية، فإن تشيعه كان لا بد أن يظهر على نحو مّا عند الحديث عن على أو فى الرواية عنه، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. بل على النقيض من ذلك نرى الواقدي يذكر أحاديث قد تحط من قدر على أو تهون من شأنه على الأقل، فحين يصف رجوع النبي إلى المدينة من أحد، يذكر أن فاطمة مسحت الدم عن وجه النبي،
وذهب علىّ إلى المهراس ليأتى بماء، وقبل أن يمشى ترك سيفه وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: أَمِسْكِي هَذَا السّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمٍ. ولما أبصر النبي سيف علىّ مُخْتَضِبًا قَالَ: «إنْ كُنْت أَحْسَنْت الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَسَيْفُ أَبِي دُجَانَةَ غَيْرُ مذموم» [(١)] .
وحين نقرأ عدد القتلى من قريش يوم بدر عند ابن إسحاق مثلا نرى أن عليا قد قتل طعيمة بن عدىّ [(٢)]، ولكن الواقدي يذكر أن الذي قتله هو حمزة وليس عليا [(٣)] .
ونرى الواقدي أيضا حين يذكر قتل صؤاب يوم أحد، واختلاف الأقوال فيمن قتله، يقول: فاختلف فى قتله، فقال قَالَ: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَقَائِلٌ: عَلِيّ، وقائل: قزمان، وكان أثبتهم عندنا قزمان [(٤)] .
وأهم من كل ذلك ما ينقله الشيعة أنفسهم، كابن أبى الحديد مثلا فى كتابه، حين ينقل فقرة طويلة عن الواقدي، ثم يورد فيها رواية أخرى مختلفة عن الأولى، ويبدؤها بقوله: وفى رواية الشيعة [(٥)]، مما يدل دلالة قاطعة على أن ابن أبى الحديد لم يعتبر الواقدي مصدرا شيعيا، أو يمثل رأى الشيعة على الأقل.
_________
[(١)] المغازي، ص ٢٤٩ من هذه الطبعة.
[(٢)] السيرة النبوية، ج ٢، ص ٣٦٦.
[(٣)] المغازي، ص ١٤٨ من هذه الطبعة.
[(٤)] المغازي، ص ٢٢٨ من هذه الطبعة.
[(٥)] شرح نهج البلاغة، ج ٣، ص ٣٣٩.
المقدمة / 17
ومن الطريف أن يلاحظ أن ابن إسحاق يتهم هو الآخر بميوله الشيعية والقدرية [(١)] . ويبدو لنا أن السبب فى اتهام الواقدي وابن إسحاق بالتشيع لا يرجع إلى عقيدتهما الشخصية، وإنما يرجع إلى ما ورد فى كتابيهما من الأقوال والآراء الشيعية التي يعرضانها، وليس ذلك عن عقيدة صحيحة فيها، مما تقتضيه طبيعة التأليف فى مثل هذه الموضوعات.
ولعل السبب فى وصف الواقدي خاصة بأنه يتشيع يرجع إلى ما أورده فى بعض مواضع من كتابه حين يأتى إلى جماعة من الصحابة، ومنهم بعض الخلفاء الراشدين، فيذكر مثلا عمر وعثمان فى عبارات لا تضعهما فى مكانتهما المرموقة. فمثلا فى المخطوطة التي اتخذناها أصلا لهذه النشرة نرى قائمة بمن فر عن النبي يوم أحد، تبدأ بهذه الكلمات «وَكَانَ مِمّنْ وَلّى فُلَانٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَسَوّادُ بْنُ غَزِيّةَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَخَارِجَةُ بْنُ عَامِرٍ، بَلَغَ مَلَلَ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ فِي نفر من بنى حارثة» [(٢)]، بينما نرى النص عند ابن أبى الحديد عمر وعثمان، بدلا من فلان، ويروى البلاذري عن الواقدي عثمان، ولا يذكر عمر [(٣)] .
ويظهر بوضوح أن النص فى المخطوطة الأم كان يذكر عثمان وعمر، أو عمر وحده، أو عثمان وحده، ممن ولوا الأدبار يوم أحد. ولكن الناسخ لم يقبل هذا فى حق عمر أو عثمان، فأبدل اسميهما أو اسم أحدهما بقوله: فلان. ولا شك أن نص الواقدي الأصلى وقع فى أيدى طائفة من الشيعة وقرأوا فيه هذه الأخبار التي أوردها فى حق عمر وعثمان مثلا، فاعتقدوا أنه شيعى قطعا.
وفى ضوء ما تقدم من الحجج تظل عبارات ابن النديم عن تشيع الواقدي قاصرة عن أن تنهض دليلا على تشيعه، وستظل تفتقر إلى دعائم أخرى تؤيدها، وخاصة من نصوص الواقدي نفسه.
_________
[(١)] معجم الأدباء، ج ١٨، ص ٧.
[(٢)] المغازي، ص ٢٧٧ من هذه الطبعة.
[(٣)] أنساب الأشراف، ج ١، ص ٣٢٦.
المقدمة / 18
أصول السيرة النبوية وتطورها فى القرنين الأول والثاني للهجرة:
مما لا شك فيه أن لفظة «السيرة» قد استعملت بمعنى سيرة النبي قبل ورودها عند ابن هشام فى روايته عن ابن إسحاق، ويتضح مما جاء فى كتاب الأغانى أن استعمال الكلمة بهذا المعنى الخاص كان معروفا فى زمن محمد بن شهاب الزهري، فقد أورد الأصفهانى النص الآتي: قال المدائني فى خبره- أى فى خبر خالد بن عبد الله القسري- وأخبرنى ابن شهاب قال: قال لى خالد بن عبد الله القسري:
اكتب لى النسب. فبدأت بنسب مضر وما أتممته، فقال: اقطعه، قطعه الله مع أصولهم، واكتب لى السيرة [(١)] .
ومع ذلك فإن اللفظتين- سيرة، ومغازي- مستعملتان بمعنى واحد لا يفرق بينهما، فقد ذكر ابن كثير سيرة ابن إسحاق وقال: قال ابن إسحاق فى المغازي [(٢)] . على أن كلا من اللفظتين مضلل بحيث إن موضوع اللفظة غير مقيد بسيرة النبي على الإطلاق فى الحالة الأولى ولمغازيه فى الحالة الثانية.
والحقيقة أن التنوع الواسع فى المواضيع ظاهرة مهمة فى أدب السيرة والمغازي، ويمكن أن نلمس فيها النشأة الأولى فى تقدم وتطور علوم الحديث والتفسير والتاريخ.
من المعروف أن أشهر ما ألف فى السيرة هو كتابا ابن إسحاق والواقدي، ولكنهما مع ذلك ليسا بأول من جمع الأخبار فى هذا الميدان العلمي.
ولا شك أن موضوع السيرة ومنهج التأليف فيه ثابت ومقدر قبل أن يكتب ابن إسحاق سيرته المعروفة. وقد أخطأ لفى دلّا فيدا- LeviDellaVida- حين زعم أن سيرة ابن إسحاق تجربة ثورية فى الكتابة التاريخية [(٣)] .
وغنى عن القول أن أقوال النبي وأعماله كان لهما أهمية كبرى إبان حياته وأهمية أكبر بعد موته، وقد أوجبت هذه الأهمية العناية الشاملة بتدوين تفاصيل حياته وبجمع الأحاديث والأخبار عنه. ولم يكن الدافع لهذه
_________
[(١)] الأغانى (ط الساسى)، ج ١٩، ص ٥٩.
[(٢)] البداية والنهاية، ج ٣، ص ٢٤٣.
[(٣)] . EncyclopaediaofIs٧٧٨١٠٥٢٤١، Article، Sira
المقدمة / 19
العناية والاهتمام التقوى وحدها فحسب، ولكن حاجة المجتمع الإسلامى إلى إرساء وتثبيت العقائد الدينية والأحكام التشريعية هي الحافظ الأساسى لهما.
ومن الضروري أن نحكم على أدب السيرة ونقوّمه، بل وآداب الحديث والفقه والتفسير أيضا، فى ضوء الأحداث السياسية والاجتماعية والدينية فى القرنين الأول والثاني للهجرة.
ويحتمل أن تكون القصص الشعبية للسيرة موجودة فى حياة النبي نفسه وكان القصاص يعنون بها، كما كانوا يفعلون بقصص الأنبياء قبل الإسلام.
وقد بقيت بعض مظاهر هذا القصص فى السيرة الأدبية التي دونت فيما بعد، ويمكن التعرف عليها دون صعوبة- من موضوعات القصص كالأحلام والطيرة من جهة، ومن الأساليب التي صيغت بها من جهة أخرى. ورؤيا عاتكة قبل غزوة بدر مثال واقعي من القصص الشعبية فى السيرة النبوية [(١)] .
ولا بد أن بعض الصحابة قد تخصصوا فى علمي المغازي والسير. ذكر ابن سعد [(٢)] عن أبان بن عثمان أنه تخصّص فيهما، وقد أخذ المغيرة بن عبد الرحمن عنه بعض الأخبار. ولكنه مع الأسف لم يصلنا أى كتاب وضع فى عهد الصحابة فى المغازي والسير.
وقال حاجي خليفة عند حديثه على المغازي: ويقال: إن أول من صنف فيها عروة بن الزبير، وجمعها أيضا وهب بن منبه [(٣)] .
عروة بن الزبير:
أما عروة فقد كان أخا لعبد الله بن الزبير ولكنه لم يشترك فى الصراع بينه وبين بنى أمية، وبعد مقتل عبد الله بن الزبير فى سنة ٧٤ للهجرة، بايع عروة عبد الملك بن مروان. وتدل رواية الطبري على أن عروة بن الزبير كتب إلى عبد الملك أخبارا عن فجر الإسلام. قال: حدثني أبى قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن
_________
[(١)] السيرة النبوية، ج ٢، ص ٢٥٨.
[(٢)] الطبقات، ج ٥، ص ١٥٦.
[(٣)] كشف الظنون، ج ٢، ص ١٧٤٧.
المقدمة / 20
مروان: أما بعد، فإنه- يعنى رسول الله ﷺ لما دعا قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيهم، وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكروا ذلك عليه، واشتدوا عليه، وكرهوا ما قال لهم، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل، فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رءوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من أَتْبَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ من أهل الإسلام فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ أن يخرجوا إلى أرض الحبشة، وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثنى عليه، مع ذلك صلاح- وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغا من الرزق، وأمنا ومتجرا حسنا- فأمرهم بها رسول الله ﷺ، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنوات، يشتدون على من أسلم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم [(١)] .
وليس لدينا دليل على أن عروة قد كتب كتابا خاصا بسيرة النبي ولكن كثرة النقول عنه عند ابن إسحاق والواقدي تدل بصورة قاطعة على أنه- أى عروة- هو أول من دوّن السيرة بشكلها الذي عرف فيما بعد.
وهب بن منبه:
وأما وهب بن منبه فقد ولد فى اليمن، ومع أنه قد زار الحجاز، إلا أنه أمضى جميع حياته فى اليمن. ويصفه ياقوت بأنه كان من خيار التابعين، ثقة، صدوقا، كثير النقل من الكتب القديمة المعروفة بالإسرائيليات [(٢)] .
ونسب إليه ابن النديم: «كتاب المبتدأ» [(٣)]، ويشير هذا القول إلى احتمال التشابه بين هذا الكتاب وبين القسم الأول من السيرة التي ألفها ابن إسحاق.
_________
[(١)] الطبري، تاريخ، ج ١، ص ١١٨٠.
[(٢)] معجم الأدباء، ج ١٩، ص ٢٥٩.
[(٣)] الفهرست، ص ١٢٨.
المقدمة / 21
ولم يصل إلينا من أخبار النبي عن وهب بن منبه إلا القليل، وقد عثر على قطعة صغيرة كتبت على البردي فى مجموعة سكوت رينهارت (. ٨ PapyriSchott- Reinhardt)
ذكر فيها بيعة العقبة [(١)] .
وقد روى ابن إسحاق عن وهب فى القسم الأول من السيرة [(٢)]، على حين أن الواقدي لم يذكره ولم يشر إليه البتة.
ثم تلا ذلك مرحلة أخرى فى تطور السيرة على يدي عاصم بن عمر بن قتادة المتوفى سنة ١٢٠ هـ، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المتوفى سنة ١٢٤ هـ.
عاصم بن عمر بن قتادة:
فأما عاصم بن عمر بن قتادة فكان أنصاريا من قبيلة بنى ظفر، وكان كالزهرى مشمولا برعاية بنى أمية. قال ابن قتيبة: إنه صاحب السير والمغازي [(٣)] .
ولكن لم ينسب إليه كتابا خاصا في هذا الموضوع، وقد أخذ عنه ابن إسحاق مباشرة، وروى الواقدي عنه بطريق محمد بن صالح، ويونس بن محمد الظفري، ومعاذ بن محمد الأنصارى، ويعقوب بن محمد، وموسى بن محمد، وعبد الرحمن بن عبد العزيز.
الزهري:
وأما محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري فهو يختلف عن أكثر أصحاب السيرة فى القرنين الأول والثاني لأنه ولد بمكة وليس فى المدينة.
وجدير بالذكر أن المرحلة المتقدمة فى علم السيرة كان مركزها فى المدينة المنورة خاصة. ولا ينفى هذا الاعتبار مولد ابن شهاب فى مكة لأنه عاش فى المدينة ودرس فيها حتى غادرها إلى دمشق فى سنة ٨١ أو ٨٢ للهجرة [(٤)] .
وفى رأى ابن حجر أن الزهري كان أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام فى
_________
[(١)] . ٥٥٨، ١٩٢٧، IslamicCulture، J. Horovitz
[(٢)] السيرة النبوية، ج ١، ص ٣٢.
[(٣)] المعارف، ص ٤٦٦.
[(٤)] . ٣٧، ١٩٢٨، J. Horoviz، IslamicCulture
المقدمة / 22
الحديث [(١)] . وواضح من كثرة الأخبار التي رويت عنه فى ابن إسحاق والواقدي أنه من أجل علماء السيرة، ويبدو أنه أول من جمع ما رواه التابعون من السيرة وأضاف إليها ما رواه هو أيضا، وبعد ذلك رتب هذه الأخبار على شكل السيرة النبوية المعروف عند ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، والواقدي.
وقال حاجي خليفة عند الكلام على المغازي: ومنها مغازي محمد بن مسلم الزهري [(٢)] . ومع الأسف لم يصل إلينا هذا الكتاب، وهو من الأهمية بمكان أهمية الزهري فى تطور السيرة، بحيث لا يحتاج الأمر منا إلى المبالغة فى تقدير أهميته، بل إن كثرة الاعتماد عليه فى كتب ابن إسحاق والواقدي لدليل واضح على بيان قدر الكتاب. أضف إلى ذلك أن كلا من ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، ومالك بن أنس، وأبى معشر، ومعمر بن راشد، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ من تلامذته الذين أخذوا عنه، وكان هؤلاء الثلاثة المتأخرون من مصادر الواقدي.
وفى أغلب الأحيان نرى الواقدي ينقل عن الزهري بطريق معمر بن راشد.
وهذا يمثل الوضع الذي كانت عليه السيرة فى طورها المتقدم، أى أن حلقة درس أصحاب السيرة فى المدينة كانت ضئيلة، وعنها نقلت السيرة جيلا بعد جيل من شخص إلى شخص، على شكل محاضرات تملى عادة.
عبد الله بن أبى بكر:
ومن طبقة الزهري، عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن حزم الأنصارى، الذي لم ينسب إليه أنه ألف كتابا فى السيرة ولكن ابن إسحاق والواقدي يذكرانه بكثرة.
فقد روى عنه ابن إسحاق مباشرة، والواقدي بطريق عبد الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ. قال ابن حجر: توفى سنة ١٣٥ هـ ويقال سنة ١٣٠ هـ[(٣)] .
_________
[(١)] تهذيب التهذيب، ج ٩، ص ٤٤٥.
[(٢)] كشف الظنون، ج ٢، ص ١٧٤٧.
[(٣)] تهذيب التهذيب، ج ٥، ص ١٦٤- ١٦٥.
المقدمة / 23
وشملت الطبقة الثالثة من أصحاب السيرة، موسى بن عقبة المتوفى سنة ١٤١ هـ، وابن إسحاق المتوفى سنة ١٥١ هـ، ومعمر بن راشد المتوفى سنة ١٥٤ هـ، وأبا معشر المتوفى سنة ١٧٠ هـ، وجميعهم من تلامذة الزهري، وينسب إلى كل واحد منهم كتاب فى السيرة أو المغازي.
ومن الممكن إضافة محمد بن عمر الواقدي المتوفى سنة ٢٠٧ هـ إليهم، لأنه أخذ عن كل واحد منهم أخبارا- فيما عدا ابن إسحاق- وكان معمر ابن راشد وأبو معشر من أهم مصادره.
موسى بن عقبة:
فأما موسى بن عقبة بن أبى عياش الأسدى، فقد كان مولى لآل الزبير بن العوام، وقد وضع مع ابن إسحاق والواقدي الأسس التي بنى عليها المؤلفون المتأخرون كتبهم، مثل الطبري، وابن سيد الناس، وابن كثير.
وقد كتب كتابا فى المغازي لم يصل إلينا، مع أنه كان موجودا حتى القرن العاشر للهجرة [(١)] .
ولا نستطيع أن نكوّن فكرة شاملة عن الكتاب من خلال القطعة التي نشرها سخاو [(٢)] ولكننا من خلال النقول التي وجدت عند ابن سعد، والطبري، وابن سيد الناس، وابن كثير، والزرقانى، نستطيع أن نتمثل صورة أوضح عن كتاب المغازي لموسى بن عقبة.
ويتضح من النظرة الأولى أنه يشبه فى تأليفه سيرة ابن إسحاق، بل وحتى فى كثير من تفصيلاته، وهذا يدل على أن نمط السيرة النبوية كان مألوفا قبل تأليف ابن إسحاق.
_________
[(١)] الديار بكرى، تاريخ الخميس، ج ٢، ص ٦٠.
E.Sachau،Das Berliner Fragment des Musaibn Uqba (Sitzungsberichte der Preussischen
[(٢)] . ٤٤٩، (١٩٠٤ Akademie der Wissen ٥٠٠٤٠٥٢٤١
المقدمة / 24