वैज्ञानिक पद्धति की अवधारणा
مفهوم المنهج العلمي
शैलियों
المنهج العلمي ... لماذا؟
(1) مدى واسع ممتد
قبل الخوض في تعريف مفهوم المنهج العلمي والتعرف على أبعاده وآفاق عالمه، نسأل قبلا: لماذا هذا الخوض؟ لماذا يعد طرح مفهوم المنهج العلمي مهمة وأمانة ورسالة ؟ ولماذا يعد اكتساب هذا الطرح تنمية عقلية حقيقية ومبتغاة؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن الإجابة على هذا، تأتي توا من حلبة المنهج العلمي؛ أي البحث العلمي ذاته كقوة عظمى امتلكها الإنسان، وأهم منتج مؤثر في واقعه، لتكون الإجابة: إن الطرح المتكامل لمفهوم المنهج العلمي، المستشرف للآفاق والمستقصي للجذور - على نهج الطرح الفلسفي - إنما يجعل العلماء أكثر ألفة بعالمهم، يضع النقاط على الحروف، فيزداد طريق التقدم العلمي وضوحا، وتزداد معدلاته صعودا.
ربما يكون هذا جانبا من الإجابة على السؤال المطروح، ولكنه ليس الإجابة كلها ولا حتى أهم ما فيها، الفلسفة حين تعمل على تعريف وتقنين مفهوم المنهج العلمي، فإنها لا تجرد محض طريقة يتبعها العلماء في بحوثهم، كأدوات فنية خاصة بأهل حرفة بعينها وإن علا شأنها، إنما تبلور أسلوبا من أساليب التفكير الملتزم والمثمر، هو أنجع طريقة امتلكها الإنسان للتعامل مع الواقع وحل مشكلاته. يقول جان فوراستيه
Jean Fourastie : «إن للمنهج العلمي مدى يمتد من العالم إلى الإنسان المتوسط، ومن الميكانيك الموجية إلى الأحداث المبتذلة في الحياة اليومية؛ فليس هناك مجالان منفصلان: مجال العلم ومجال الحياة. والمنهج العلمي ليس تقنية خاصة بذوي الاختصاص، كما يختص خبراء التأمين بنظام الاحتمالات، والقضاة بالقانون، وعلماء الآثار المصرية بالهيروغليف، بل هو أحد الوسائل المعطاة لكل إنسان، وأكثر هذه الوسائل سهولة وضمانا لمعرفة العالم، الذي انتظم فيه الإنسان: الكون والأرض والنباتات والحيوانات والأشخاص.»
1
المنهج العلمي في جوهره آلية إيجابية فعالة، لتعامل الإنسان مع وقائع عالمه، تقوم على التآزر والتحاور بين قدرات الذهن ومعطيات الحواس، وهذه آلية كامنة في كل عقل بشري، وتبلغ أقصاها في البحث العلمي، تماما كما نقول إن القدرة الفنية كامنة في كل إنسان، وأي طفل لا بد أن يمارس الرسم، لكن هذه القدرة تبلغ أقصاها مع الفنانين العظام، أو أن القدرة على الكتابة كائنة لدى البشر أجمعين، وأي تلميذ لا بد أن يكتب موضوع الإنشاء، لكن هذه القدرة تبلغ أقصاها لدى الكتاب العظام. كذلك آلية الحوار الإيجابي المثمر بين الذهن ووقائع العلم كائنة في كل العقول ، في مدى واسع ممتد، وينبغي العمل على تنميتها دائما، وهذه الآلية تبلغ أقصاها وذروتها في العلم والبحث العلمي.
وإذ نستقي خلاصة طريق وطريقة العلماء في معاملهم نشدانا لتقنين هذه الآلية، نجدها تقوم على فرض أبدعه عقل الإنسان/العالم، يخرج منه بنتائج جزئية يهبط بها إلى الواقع التجريبي ليختبر الفرض، فيقبله أو يعدله أو يرفضه، ليكون مسير ومصير الفرض في نسق العلم وفقا لشهادة التجريب على كفاءته في حل المشكلة المطروحة للبحث، وأداء المهام المعرفية التي وضع من أجلها. إنه الحوار الخصيب والتآزر الجميل المثمر بين العقل والتجريب، الفهم والحواس، اليد والدماغ، الفكر والواقع؛ لذا كان المنهج العلمي صورة مثلى لما يمكن أن نسميه: العقلانية التجريبية. وفي تفعيل هذا نتعلم تكاملا بين ملكتين إدراكيتين أو القوتين المعرفيتين، فلا جنوح لطرف ولا إقصاء لآخر.
في المنهج العلمي يتجلى العقل حين يرسم سبلا موجهة ناجحة، حين ينطلق بمجمل طاقاته وقدراته أقصى انطلاقة في محاولاته الجسورة لوضع الفروض العلمية، لكنها دونا عن كل انطلاقات العقل، ملتزمة بالواقع بما تنبئ به التجربة، لتتعدل الفروض أو تقبل أو تلغى وفقا له. المنهج العلمي التجريبي ينصت لشهادة الحواس ومعطيات الوقائع، فتعين موضع الخطأ والكذب في الفرض حين يتعارض معها، يتم تصحيحه والبحث عن فرض جديد متلاف لذلك الخطأ، يعرض بدوره على محكمة التجريب، ويتم تعديله بفرض جديد ... وهكذا دواليك في متوالية لتقدم لا يتوقف أبدا. البحث العلمي فعالية مستمرة، تحمل في صلب ذاتها عوامل لتناميها وتقدمها المتواصل دوما. كل إجابة يتوصل إليها تطرح تساؤلات أبعد، فيؤدي كل تقدم إلى تقدم أعلى. ومهما علونا في مدارج التقدم فلن تغلق المعامل أبوابها، ولن ينتهي البحث العلمي أبدا، بل يزداد حمية ونشاطا في سعيه الدءوب المتخطي دوما لحاضره، مغيرا إياه.
अज्ञात पृष्ठ