============================================================
تفسير سورة البقرة 137 الاسرار قال أهل العلم بالقرآن: إن الأنبياء -عليهم اللام -دعوا الناس إلى الإيمان بالغيب والاتباع والتسليم لما يعلم ومالايعلم؛ وعند عامة المتكلمين أنهم دعوا الناس إلى البصيرة والبرهان، م تناقض الرأي عليهم في من لم يحصل البصيرة بدعوة النبي، أ يخالفه في النظر أم يتبعه على التقليد؟ واننقض الراي عليهم من وجه اخر: إن البصيرة تحصل من مجرد النظر: فلايحتاج إلى الإيمان بالنبي ولاإلى كتابه المنزل عليه ولا إلى إرشاده وهدايته؛ ولم يعرفوا طرق الأنبياء -عليهم السلام - -55آ أنهم دعوا الناس إلى التسليم. ثم الهداية والبصيرة تحصل بعد الإيمان والتسليم. قال إيراهيم -عليهم السلام -: (يا أبت إني قد جاةني من العلم الم يأتك فاتبغني أهدك صراطا سويا) وكذلك حال جميع الأنبياء - علهم السلام-، وأمرنا بذلك أيضا، قال تعالى: (واتبعوه لعلكم تهتدون ). ففي هذه الآية (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) أي: الكتاب هدى للذين يؤمنون بما لايرون ولا يعلمون؛ فتكون هدايتهما عن تسليم واتباع، ولا يتوقف اتباعهم على بصيرة وهداية؛ ولهذا مدح إبراهيم: (إذ قال له ريه أشلم قال أشلمت لرب العاليين)، وكذلك قال موسى للخضر -علهما اللام-:(هل اتبعك على أن تعلمن مماعلمت رشدا). فكمال حال الأنبياء والمؤمنين على درجاتهم هو الإيمان بالغيب، والصبر على ما لم يعلم حتى يعلم، والتسليم للأمر بعد التحكيم، والاتباع قبل التعليم، وكل ذلك من باب واحد.
وسر آخر: أن الايمان بالغيب على ظاهره يشبه أن يكون تقليدا وهو بصيرة، والصبر على ما لايعلم، والتسليم لمن يعلم فطرة؛ فإنكل إنسان يعلم من نفسه أنه لايعلم كل العلم، ويعلم أنه محتاج إلى عالم يعلم، وحاجته تلك فطرة؛ فالأنبياء - عليهم اللام -دعوا الناس إلى التسليم الذي يضمن الفطرة، وإلى الفطرة التي أوجبت التسليم؛ فلاهم مقلدون، ولادعوا الناس إلى التقليد، بل بينوا الفطرة ثم دعوا الناس إلى الفطرة، وهو عين البصيرة.
وسر آخر: أن نرى في قوله: (هدى للمتقين* وفي قوله: "الذين يؤمنون بالغيب" حكمي المفروغ والمستأنف من وجهين: احدهما: أن الهداية من باب المفروغ، والإبمان بالغيب من باب المستآنف، كما أن ليتهنل
पृष्ठ 203