45
وفي 20 نيسان سنة 1859م راجع الوفد الزحلي الوزير طالبا جواب الأستانة، فأخبرهم أنه لم يرد جواب حتى ذلك الوقت.
وبعد مرور مدة ورد الجواب من الآستانة بإجابة مطاليب الزحليين وقبول انضمامهم إلى ولاية سورية وانسلاخهم عن لبنان، وأرسل الوزير متسلما عثمانيا لزحلة اسمه صادق أفندي، فسكن دار بني السرغاني، واستقلت زحلة بأحكامها عن لبنان، وأدار المتسلم الجديد شئونها فاستاء من ذلك الأمراء اللمعيون، الذين كانوا متسلطين عليها منذ القديم فصارت زحلة محاطة بمبغضيها من كل جهة وأصبح موقفها حرجا وألقي الخلاف بين أسرها (عيالها) وتفرقت كلمتهم؛ لاختلاف منازعهم ومبادئهم فضعف شأنها وطمع بها أعداؤها وحسادها كل الطمع.
وفي تلك الأثناء كانت الحكومة قد تغيرت على الأمير سلمان الحرفوشي وطاردته للقبض عليه، ففزع إلى زحلة سنة 1858 على أثر موقعة الحديدية، واختبأ فيها مدة خفي فيها أمره على الحكومة وكان يتنقل في أحيائها وبيوتها.
وفي أوائل سنة 1859م جاء زحلة يوزباشي مع أنفار من فرقة حسني بك رئيس فرقة الفرسان الخمسمائة المنظمة المقيمة في بعلبك للبحث عن الأمير الحرفوشي، فبقي اليوزباشي في زحلة متنكرا أياما يبحث عن الأمير سلمان، فأخبره أحد أعيانها ممن كانوا مستائين من الأمير المذكور عن محل وجوده، وهو معصرة أبي شاهين الحلوة، فذهب اليوزباشي حالا إلى بعلبك وأنبأ حسني بك بالأمر فقام من فوره وجاء معه يرافقهما تابع آخر إلى المعلقة التي كانت إذ ذاك تابعة لدمشق ثم جاءا إلى زحلة التي كانت في ذلك الحين قد ألحقت بولاية بيروت وصيداء، فأخذ حسني بك الجنود التي كانت مقيمة في زحلة والثلج يتساقط عليهم، وأحاط بالبيت الذي فيه الأمير ليلا وأنذره بالشر إن لم يسلم، فأطلق الأمير الرصاص على الجنود فأخطأهم لاعتراض الظلمة بينهما. ثم طلب أن يأتي إليه حسني بك وحده فيسلمه ذاته فلم يرض حسني بك، ولكنه استدعى صاحب البيت وهو أبو عيطة النمير، وسأله عن ثمن بيته فقال: خمسة آلاف غرش فقال حسني: أدفع لك ضعف هذه القيمة وأحرقه، ثم أمر الجنود بإضرام النار. وبينما هم يتأهبون لذلك كان الأمير سلمان قد فضل أمر التسليم وأقر عليه، فنزع سلاحه مع ثلاثة من رجاله وسلم نفسه ورجاله إلى حسني بك وعرض عليه مالا ليفر فلم يقبل؛ بل أوثقه وأرسله مخفورا إلى بعلبك في ذلك الليل فبلغها قبل الفجر، وكان ذلك يوم الاثنين في 12 ك 2 سنة 1859 فأودع السجن.
46
ومما زاد في إرهاق زحلة ما كان قد حدث منذ نحو سنتين من رغبة الطيب الذكر البطريرك أكلمنضوس بحوث الكاثوليكي في إدخال الحساب الغريغوري (الغربي) بين رعيته، التي كانت حتى ذلك الحين تابعة للحساب اليولي (الشرقي)، فوزع المناشير على الرعية يحثها على وجوب قبول ذلك، فحدث في الطائفة انقسام شديد وكان من أشد مناوئيه في هذا القصد أربعة أساقفة مقدامهم أسقف الفرزل وزحلة والبقاع السيد باسيليوس شاهيات المشهور بحزمه وإقدامه ونفوذ كلمته لدى الحكومة. فكان هذا الانقسام الطائفي سببا آخر أضيف إلى ما تقدم من أسباب قلق الزحليين فزاد في الطنبور نغمة.
وفي 12 آب سنة 1859م التأم المجمع الثامن والعشرون للطائفة الكاثوليكية في محلة عين الدوق من أحياء زحلة، اجتمع فيه الأساقفة الثلاثة بدعوة السيد باسيليوس شاهيات؛ وهم السيد أغابيوس الرياشي مطران بيروت ولبنان، وملاتيوس فندي مطران بعلبك، وتاوضوسيوس القيومجي مطران صيداء ودير القمر. وتفاوضوا مليا بشأن الحساب فأقروا على رفضه بتاتا فنمي الخبر إلى البطريرك، فشكاهم إلى رومية فألغى الكرسي الرسولي مجمعهم هذا، واضطروا بعد مرور مدة أن يتبعوا الحساب المذكور، ولكنهم مع ذلك ضايقوا البطريرك حتى اضطر إلى الاستقالة، كما هو مشهور في تاريخ الطائفة.
وفي أواخر هذه السنة كانت زحلة مهملة؛ لأن متسلمها صادق أفندي كفت الحكومة يده عن العمل واستقدمته إليها، فاضطرب حبل سكانها وانقسموا أحزابا كثيرة، فمنهم من أحب الانضمام إلى قائمية مقام النصارى ومنهم من أصر على طلب حاكم آخر عثماني، ومعظمهم أراد البقاء في ولاية لبنان إذا أبدل قائم مقام النصارى الأمير بشير أحمد، ولكنها ألحقت بأيالة صيداء.
47
अज्ञात पृष्ठ