وكان بنو القنطار سنة 1799 قد أحرقوا دار ناصيف نصر الله الحويص في عين الصفصافة (قرب الشوير في لبنان)، وكان هذا كاخية (كتخدا) الأمير منصور مراد اللمعي في المتن، فحنق عليهم الأمراء اللمعيون وأثاروا الزحليين عليهم، فبدءوا يتأهبون للإيقاع بهم بعد أن نالوا من حكومة لبنان التأديب الشديد.
وكان الزحليون يحملون الخمر والكحول (العرق) إلى عكاء للعسكر الفرنسي، وكانوا هم أول من قطرها فاخرة، فقطع عليهم الدروز الطريق في البقاع، وأوقفوا بعض قوافلهم وقوافل أهل بكفية من متن لبنان الناقلة خمرا، وكانوا من أخصاء الأمراء اللمعيين أيضا، فأرسل هؤلاء إلى مشايخ الدروز العماديين والنكديين وغيرهم ليردوا القوافل لأصحابها فلم يفعلوا، فأرسل الأمراء رجالا من زحلة والمتن إلى البقاع، فدهموا قرية كامد اللوز ونهبوها ثم أصلح ذات بينهم الشهابيون والتلحوقيون.
وكان الخلاف يشتد بين مشايخ الدروز والأمير بشير، مما سهل للزحليين التذرع لكسر قيود الذل التي أثقلتهم، ولا سيما بعدما تمكنت المبادئ المسيحية في نفوس الأمراء حكامهم فمالوا إليهم.
وهكذا كان ختام القرن الثامن عشر زمن تحريك لهمم الزحليين حتى يتخلصوا من ربقة الضغط، وكان يتعاقب على حكومة لبنان الأمير بشير الشهابي وأولاد عمه الأمير يوسف، فكثر الخلاف بين اللبنانيين لانحياز بعضهم إلى أحد الحاكمين، وكان الشعب في الغالب ينقاد للظافر منهما؛ فلذلك لم يستتب الأمر لفريق من الناس؛ بل كان الاضطراب سائدا والشقاق كثيرا والوزائع والضرائب فادحة والناس في ضيق شديد ينتظرون الفرج وانحلال هذه الضائقة (الأزمة)، وهكذا كان الزحليون ينشدون معهم قول الشاعر:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
هوامش
زحلة الحديثة ووقائعها في القرن التاسع عشر إلى يومنا
ما عطس أنف القرن التاسع عشر للميلاد حتى كانت المبادئ المسيحية قد تمكنت من قلوب الأمراء الشهابيين ولاة لبنان واللمعيين أصحاب زحلة وحكامها، ورأوا من الدروز مناوأة شديدة وعصيانا، فأكثروا بينهم النزغات واستمالوا المسيحيين، ولا سيما الزحليين الذين كانوا أشداء بواسل، وتذرعوا بهم على الخضد من شوكة الدروز. وكانت الفتنة المسيحية المكارمية لن يزال شرارها متقدا، وهم يعاضدون المسيحيين لإضعاف الدروز.
وكان مشايخ الدروز أصحاب مقتنيات وقرى في البقاع، وشوكتهم فيه قوية ونفوذهم كبير، فأقام الأمراء مشايخ من وجهاء الزحليين ليحكموها مع بعض قرى البقاع، وكان حاكم البقاع من قبل والي دمشق أحيانا، وطورا من قبل حاكم لبنان. فكثرت الحوادث بين حكام زحلة وحكام البقاع، وامتد الدروز الذين كانوا في زحلة إلى البقاع ملتجئين إلى حاكمه ليساعدهم على الزحليين الذين كانوا قد تنبهوا، وأخذوا في استعادة حريتهم المفقودة واستقلالهم الشخصي.
अज्ञात पृष्ठ