الحكام الرجعيون إذن هم الذين يعرضون لافتات الشيوعية وصورها ويدعون لمبادئها، والعمال، التقدميون هكذا مفروض، هم الذين يقومون للرجعية بدور كلب الحراسة بحيث يقطعون دابر أي شيوعي يحاول خرق النظام والتسلل.
مركب النقص ومركب العظمة
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن الندوة الثقافية التي كنا دعينا إليها في برلين، وقلت كنا محاطين بنوع من الجمهور جرى اختياره وانتقاؤه بعناية، بحيث كلماتنا إن نفذت فإنما تنفذ إلى أدمغة مطعمة ضد أي نفاذ، أو تنفذ إلى أدمغة نحن بغير حاجة إليها لأنها أدمغة غير محايدة.
وقلت إنه كان علي أن أواجههم بالحقيقة، ثم تحدثت عن اليسار في برلين ... واليوم أتابع مختتما الرحلة:
أذكى غباء
بعد كلمتي، حل على القاعة وجوم هائل، الذين أخرجوا الرواية لم يحسبوا حساب هذه المفاجأة، ولكن ما أهمية أن أصرخ ملء صوتي بالحقيقة وأنا في حضرة جمهور محسوب ومختار؟ ما الأهمية والحقيقة خنقها سهل، ولقد خنقوها وخنقونا معها، وجاءوا بنا علنا أمام أنفسهم سرا وبتكتم شديد بعيدا عن أي رأي عام ألماني محايد، أو حتى رأي معاد، ليتسنى لهم تغذية العقول الألمانية بمزيد ذكي جديد من أقوال ورؤى ووجهات نظر إسرائيل؟
واكتشفت حقيقة أخرى جديدة غريبة عن تلك الشخصية الألمانية المفرطة في خصائصها وغناها.
اكتشفت أنه، رغم إيمانها المطلق بتفوقها الكامل، فهي تكاد تكون أعبط شخصية من شخصيات الشعوب.
والألماني الغربي ليس أبدا عبيطا بالوراثة أو بانعدام الذكاء، إنه عبيط بالعمد وبالحساب المدبر وكالعادة بخطة كاملة الإتقان، فمن طبيعة الشخصية القهرية الألمانية أيضا قابليتها للتمسك بإيمانها بالأشياء ومقاومتها أي إيمان جديد، باختصار إذا كنا نسمي أجهزة الدعاية وصناعة الكتاب والفيلم والصورة أجهزة صناعة العقول، فإن العقل الألماني من أسهل عقول الدنيا قابلية للصناعة والتشكيل؛ ذلك أنه، بحكم تكوينه أيضا، شعب غير شكاك.
إنه يقبل منك ما تقوله ويظل يصدق حتى يثبت له أو تثبت له الظروف كذبه، وحينئذ لا يعود يصدقك أبدا حتى لو كانت كذبتك الأولى والأخيرة، الناس عنده إما كذابون تماما أو صادقون تماما، وهو يأخذ كلامك من معانيه الأولى المباشرة، فطبيعة الشخصية القهرية أيضا أنها لا تعمل الخيال كثيرا، الخيال ذاتي وكذاب ويدعو أحيانا لإعادة النظر؛ ولهذا تغذي عقلها بأي برنامج تقبله العقول حتى تمضي كالقطار إذا وضع فوق القضبان، همها أن تبلغ بحركتها أقصى سرعة وتحقق الأهداف.
अज्ञात पृष्ठ