وعلى هذا، فأمامكم أمران لا ثالث لهما:
إما أن تكونوا على علم تام بخطورة ما يقوم به أعداء الإسلام والمسلمين والعرب باعتبارهم العمود الفقري للعالم الثالث الذي يعاديه ذلك الاستعمار العالمي الطاغي. إما أن تكونوا على علم بأنهم يأخذون عداواتهم لنا جدا لا هزال فيه ولا يكفون ثانية واحدة في طعننا بهذا الخنجر أو ذاك. وفي هذه الحالة في حالة علمكم تدركون خطورة الموقف والوضع وموقف الحياة أو الموت الذي نقفه هذه الأيام، وتأخذون ليس قرارات وإنما أفعالا جادة للدفاع عن أنفسنا وحتى - كحكام - عن انقسام وإما ...
وإما أنكم لا تعلمون، وهذه كارثة، أو تعلمون وتخافون في وجه المخطط، كي يحافظ كل منكم على وضعه، بعيدا عن الشر ويغني له، وعلى هذا تمضون قدما في نفس الاتجاهات التي تدور خارج المؤتمر، وعلى هداها تدور الحروب ويدور إفناء العالم الإسلامي لنفسه ذاتيا.
فإذا فعلتم هذا ...
وأرجو أن لا تفعلوه.
لأن معناه مصيبة أعظم، ومن الشعوب العربية هذه المرة ستحيق - لا قدر الله - بكم الكارثة والضربة، ولأننا حريصون عليكم حكاما ورؤساء وملوكا وأمراء ورموزا لوجودنا وعقيدتنا وحياتنا ... فنرجوكم أن تفعلوا مثلنا وتحرصوا على أنفسكم من أن تصبحوا أدوات للاستعمار ومخالب قطط لتنفيذ مخططاته، في هذه الحالة عليكم أن تحرصوا على أنفسكم منا نحن؛ فللصبر حدود.
والشعوب إذا أرادت الحياة يستجيب القدر.
ونحن نريد، بإرادة الله، الحياة، حتى لو أردتم أنتم غير هذا.
اللص ذو الأقدام الكبيرة
بشق الأنفس، ولظروف شخصية قاهرة، فقد كان لي ابن يعاني منذ صغره بحالة ربو نتيجة لحساسية جسده الشديدة لتغيرات النفس، وبالذات في الصيف، حيث كنا أحيانا نستدعي له عربات الإسعاف حين تزداد الحالة ويكاد يتوقف عن التنفس، كان لا بد أن آخذ شقة في منطقة المعمورة بالذات لكي تقضي فيها العائلة، وبالذات ابني بهاء، شهرين على الأقل في السنة، يوليو وأغسطس، وأحيانا بعضا من سبتمبر، وفي أول الأمر، في منتصف الستينيات كان الموضوع لا يشغل أمرا صعبا أو مستحيلا؛ إذ كنا نحن مجموعة من الكتاب قد تعودنا أن نأخذ شاليهات للتصييف في بورسعيد، ورغم أن إيجار الشاليه المفروض كان فيما أذكر لا يتعدى الستين جنيها، إلا أنها كانت أقصى ما نستطيع دفعه من النقود في ذلك الحين، والحق أننا كنا مجموعة متكاملة تماما؛ فمن أستاذ علم الحكي والكلام والصحافة المرحوم سامي داود، إلى رائد فكرة الشعبية في الأدب والفن المرحوم أحمد رشدي صالح، إلى وحيد زمانه الولد الشقي محمود السعدني، إلى موسى صبري ذلك الحين، إلى الزميل الكبير حلمي سلام، إلى من لم تعد تعيه الذاكرة من أسماء، زمن جميل، الآفاق مفتحة، والمستقبل تحوم حماماته وترفرف كحمامات صلاح جاهين، ومصر انتفضت وتمضي قدما بعد ملحمة 56 ومجدها وحربها وخروجنا ظافرين، وظللنا هكذا إلى أن قامت حرب 67، وأبيد نصف بورسعيد، واحتلت قوات الجيش شققه وشاليهاته، واضطررنا اضطرارا للذهاب إلى الإسكندرية، وكانت النقلة باهظة على ميزانيتنا؛ إذ كان على العائلة منا أن تدفع مائة جنيه بأكملها في شقة مفروشة، ويا له من مبلغ باهظ في ذلك الحين.
अज्ञात पृष्ठ