मदीना फादिला कब्र तारीख
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
शैलियों
ورابليه نفسه نموذج لإنسان عصر النهضة. فمعرفته الموسوعية، وإعجابه العميق بالأدب الإغريقي، وكراهيته للمذاهب المدرسية، ومسيحيته الوثنية، واحتقاره لحياة الرهبنة، وعشقه للحرية والجمال، كانت كلها سمات مميزة للإنسانيين الإيطاليين. إنه شغوف مثلهم بالمعرفة شغفا شديدا، ولم يكتف بدراسة الأدب والفلسفة، بل أضاف إليهما الطب والقانون. وهو كذلك ، مثل معظم الإنسانيين، لم يهتم «بالمسائل الاجتماعية». لقد كان تمرده تمردا فرديا محضا، ولم يربط بينه وبين التمرد على النظام الاجتماعي. أحس بالشرور التي تجتاح المجتمع في عصره، ولكنه يحاول أن يبحث عن أسبابها أو يقترح وسائل العلاج لها. ولم تكن النهضة في الحقيقة حركة إصلاح، بل كانت حركة تمرد قام بها أفراد سعوا إلى تحقيق الحرية لأنفسهم قبل كل شيء. والواقع أن الإنسانيين، على الرغم من الاسم الذي يطلق عليهم، لم يهتموا بالإنسانية، وإنما تركز اهتمامهم على فرديتهم الخاصة ووسائل التعبير عنها. لقد كانوا يضيقون ضيقا شديدا بأي تدخل في شئونهم من قبل السلطات المدنية أو الدينية، كما كانوا يحسون إحساسا عميقا بحقوقهم، لكنهم لم يناضلوا في سبيل حرية الجماهير أو حقوقها.
وليست «دير تيليم» مجرد وصف لبلاط أو معهد مثالي، ولا هي مجرد بيت ريفي كما تصور الأستاذ «ممفورد». إنها يوتوبيا الأرستقراطية الجديدة لعصر النهضة، وهي الأرستقراطية التي قامت على الذكاء والمعرفة لا على القوة أو الثروة. ورابليه يصف فيها كيف ينبغي أن تكون حياة هؤلاء الرجال والنساء الذين يتميزون بالأصل الطيب والتربية الراقية، ويتمتعون بالموهبة والصحة. إنهم ليسوا في حاجة إلى قوانين أو محامين، ولا سياسة أو وعاظ، ولا مال أو مرابين، ولا دين أو رهبان، وهم في غنى عن أي قواعد تتحكم فيهم، لأنهم يعرفون كيف يستغلون وقتهم أفضل استغلال ممكن فيما يفيدهم ويمتعهم، ولا يحتاجون إلى التقيد بأي قيود أخلاقية تفرض عليهم من الخارج، لأنهم بطبيعتهم أمناء مفطورون على المشاعر النبيلة، كما أنهم قادرون على الاستمتاع بالحرية الكاملة والمساواة الكاملة بين الرجال والنساء.
ولا يستكثر أي جمال أو ترف على رجال ونساء يعدون، إذا جاز التعبير، زهرة الإنسانية. فهم يعيشون في قصر يفوق في روعته قصور «التورين»، ويرتدون أفخم الثياب، ولهم راع يمتلك فيما يبدو موارد مالية غير محدودة، ويخدمهم جيش من الخدم والصناع الحرفيين الذين يزودونهم بكل ما يحتاجون إليه: «... كان هناك صف من البيوت التي تحف بها غابة تيليم ويبلغ امتدادها مسافة نصف فرسخ، وهي بيوت شديدة الأناقة والنظافة يسكنها الصناع المختصون بصياغة الذهب وصقل الجواهر والأحجار الكريمة، والمشتغلون بالتطريز والحياكة والتذهيب ونسيج القطيفة والسجاد وصنع جراب الأسلحة، وكل منهم متفرغ لحرفته التي وهبها لخدمة أولئك الرجال والنساء المرحين الذين ذكرناهم، وهم الرهبان والراهبات من الطراز الجديد ...»
والتعليم الذي يتلقاه أهل تيليم من النوع الذي يلائم أمراء المستقبل أو رجال البلاط والحاشية، وهو شبيه بنظام التعليم الذي وضعه كاستيليونه لرجل البلاط المثالي في عصر النهضة.
62 «ينبغي على رجل البلاط أن يكون ملما بجميع الألعاب الرياضية النبيلة، ومنها الجري، والقفز، والسباحة، والمصارعة، ويجب قبل كل شيء أن يتقن الرقص، وأن يكون بطبيعة الحال بارعا في ركوب الخيل. وعليه أن يتقن عدة لغات، وأهمها اللاتينية والإيطالية، كما يجب أن يكون مطلعا على الأدب ولديه إلمام بالفنون الجميلة ...»
هذا التعليم الذي يتلقاه الأخوات والإخوة المرحون من رهبان «دير تيليم» وراهباته يمكن أن يبلغ مستوى عاليا من الكمال الفردي، ولكنه منفصل انفصالا غريبا عن أي غرض نفعي. ويبدو أن أهل تيليم لم يشغلوا أنفسهم بتعلم أي مهنة أو حرفة نافعة، بل بأن يكون لديهم مجموعة من الخدم تحت تصرفهم مدى الحياة. ويستبعد عليهم أيضا أن يستمتعوا بأي عمل لا يخرج في النهاية عن كونه مجرد تدريب بدني أو عقلي ولا يهدف على الإطلاق لتحقيق شيء مفيد.
ولا بد من الاعتراف بأن الحياة في دير رابليه، على الرغم من روعتها وأبهتها، سرعان ما تصبح حياة مملة، وأن السأم سيزحف على نفوس أهل تيليم كما زحف على نفوس عدد كبير من الأمراء ورجال الحاشية الذين عاشوا في بلاط كثير من القصور الفخمة. ولا بد أن نتذكر أيضا، لكي نكون منصفين لرابليه، أن جماعته المثالية ليس فيها ملك ولا أمير ينتظر من يتملقه أو يسليه.
بقي أن نقول إن الملاحظات السابقة كان من الممكن الاستغناء عنها، لو لم ينس معظم الذين تحمسوا لعبارة رابليه المشهورة «افعل ما تريد»، أنه لم يقصد بها إلا أولئك الذين يقول عنهم إنهم: ... مفعمون بالحيوية ، والظرف، والصحة، والنشاط،
والمرح، والذكاء، والفرح، والابتهاج،
متأنقون، مهذبون، ميالون للدعابة والمجون،
अज्ञात पृष्ठ