मदीना फादिला कब्र तारीख
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
शैलियों
ولعل تجربة أندريا المباشرة في الإصلاح الاجتماعي هي التي كان لها الفضل في أن تتخذ يوتوبياه، ذلك الطابع الواقعي الذي تفتقده اليوتوبيات التي استلهمها. وقد كان لمشروع برنامجه التربوي، الذي وصفه بعناية في «مدينة المسيحيين»، تأثير كبير في «كومينيوس»
54
الذي اعترف صراحة بأنه تلميذ أندريا، وفي بعض الكتاب الإنجليز مثل هارتليب ، ودروري، وملتون وغيرهم، ممن اهتموا مثله بالإصلاح الاجتماعي. كما أثر أيضا في صمويل جون، الذي تشبه يوتوبياه «سوليما الجديدة» يوتوبيا أندريا شبها ملحوظا.
55
ولكن الكتاب لم يحقق على أي حال نفس الشهرة التي نالتها يوتوبيا كل من مور وكامبانيلا، فلم تظهر الترجمة الألمانية إلا في عام 1741م، ولم تترجم إلى الإنجليزية إلا في عام 1916م، ولم تفلح في التعجل بترجمتها تلك الرسالة التي بعث بها روبرت بول إلى صمويل هارتليب، في سنة 1647م، وتمنى فيها أن تترجم «مدينة المسيحيين» إلى الإنجليزية، كما عبر فيها عن تخوفه من عدم ظهور هذه الترجمة إلا بعد ثلاثمائة سنة وفي نيويورك بالذات.
وربما يرجع إهمال هذا العمل، من ناحية، إلى اضطراب ظروف العصر الذي ظهر فيه، ومن ناحية أخرى إلى جفاف أسلوبه. وقد يضاف إلى هذين السببين سبب آخر، وهو الاتهام الذي وجهه إليه بعض الكتاب بأنه مجرد نسخة من «يوتوبيا» توماس مورو «مدينة الشمس» لكامبانيلا. ولكن أوجه الشبه هذه في معظمها سطحية، ومشروع برنامجه التربوي الذي يشغل القسم الأكبر من الكتاب، مشروع أصيل ومبتكر تماما. وإذا كان تأثير الكتاب الإغريق في أندريا - وذلك على خلاف اليوتوبيات السابقة - تأثيرا ضئيلا لا يكاد يحس به القارئ، فإن تأثير مدينة العصور الوسطى شديد القوة. ففكرته عن الأخوة، واحترامه للحرف اليدوية، وموقفه من العمل والتجارة، والأهمية التي يوليها للصنعة والأسرة، تذكرنا كلها بنظام الطوائف والنقابات الحرفية التي ازدهرت ازدهارا عظيما في المدن الألمانية في العصر الوسيط.
وقد كان لمدينة جنيف، التي زارها أندريا في شبابه وتركت في نفسه انطباعا قويا، تأثير جديد كل الجدة في مدينته المثالية. فقد أعجب أيما إعجاب بالمستوى الأخلاقي الرفيع الذي وصل إليه أهالي جنيف، وقال عنه في سيرته الذاتية: «لو لم يمنعني اختلاف العقيدة (من الإقامة في جنيف) لدفعني الانسجام الذي يوحد عاداتهم وأخلاقهم على عدم مغادرة ذلك المكان أبدا.»
ولم يتبن أندريا تعاليم كالفن (المتشددة)، ولكنه أيد من كل قلبه صرامة القواعد الأخلاقية التي فرضها على سكان مدينة جنيف، ولعله قد تمنى أن يعيش حتى يشهد إصلاح الكنيسة اللوثرية إصلاحا جديدا مستمدا من روح «كالفن الحديدي». وهذه فقرة أخرى من سيرته الذاتية تبين مدى اعترافه بفضل زيارته لجنيف: «عندما كنت في جنيف اكتشفت اكتشافا مهما لن تموت في نفسي ذكراه ولا الشوق إليه إلا بموتي. فلم يقتصر ما وجدته هناك على المجتمع الحر حرية مطلقة، وإنما وجدت مفخرة الرقابة على الأخلاق التي تقضي كل أسبوع بعقد اختبارات منتظمة لأخلاق المواطنين وأبسط تعدياتهم على الأصول الواجب مراعاتها. وبذلك بواسطة المشرفين على المجالس المحلية أولا، ثم أعضاء مجلس الشيوخ ثانيا، وأخيرا عن طريق القضاة وتبعا لما تتطلبه كل حالة على حدة. والنتيجة هي منع كل جرائم السب، والقمار، والبذخ، والشجار، والحقد، والغش، والخداع، والتبذير السفيه، وما أشبه ذلك، ناهيك عن الخطايا الأفدح التي لا حاجة لذكرها. هذا النقاء الخلقي، يا له من زينة مجيدة على تاج الدين المسيحي. إن علينا أن نذرف أمر الدموع ونندب حظنا بسبب انعدام هذا النظام في بلادنا وإهماله إهمالا يوشك أن يكون تاما، وعلى كل أصحاب الخلق القويم أن يبذلوا غاية جهدهم حتى ترد الحياة عندنا لمثل هذا النظام.»
وسوف نرى في فصل قادم كيف بدت رحلة كاتب آخر من كتاب اليوتوبيا، وهو «الراهب بغير عباءة» جابرييل دي فوانيي، إلى المدينة التي أثارت كل هذا الإعجاب في نفس أندريا. فهذا «المجتمع الحر» الذي تعقد فيه «الاختبارات كل أسبوع بانتظام لمراقبة أخلاق المواطنين»، لا بد أنه كان موحشا وكئيبا وقت زيارة أندريا له. والوسيلة التي كانت تتم بها المحافظة على «نقاء الأخلاق» في جنيف تعطينا فكرة عما كان يمكن أن تبدو عليه يوتوبيا أندريا لو أنها لم تختف من مخيلته. ففي عام 1562م، كما يخبرنا أحد المؤرخين، أحرق اثنا عشر رجلا وهم أحياء، بسبب اتهامهم بممارسة السحر، وأغرقت امرأة في نهر «الرون» لارتكابها جريمة الزنا، وحكم بالإعدام على أحد مواطني جنيف من الطبقة الوسطى بسبب هذه الجريمة نفسها، كما حكم على شخص يدعى جاك شابيلاز بقطع لسانه بعد أن اعترف بأنه قد لعن الرب وأنه أكل الشيطان وإن لم يستطع أن يبتلع قرونه. وكان هذا الشخص قد سبقت إدانته وعقابه بسبب تهمة مشابهة ...
وإذا كانت روح عصر النهضة تعبر عن نفسها بقوة في آراء أندريا عن التربية والتعليم، فإن عقلية المصلحين الدينيين هي التي توجه نظرته الأخلاقية. ولا تتضمن حرية سكان «مدينة المسيحيين»، شأنهم في هذا شأن سكان جنيف، حق إنكار وجود الله. وقد فرضت التعليمات التي أصدرها كالفن في عامي 1609م و1617م على جميع سكان جنيف أن يحضروا العظات الدينية بانتظام، ونجد هذا الإلزام نفسه في مدينة أندريا المثالية، كما نجد فيها الرقابة على الكتب، وتفتيش المنازل، وفرض العقوبات الصارمة على الزنا، ومع أن المصلح الألماني يبدي شيئا من الرحمة والإنسانية فيما يقوله عن عقوبة الإعدام، وعن قسوة الشريرين الذين يعاقبون أكثر مما يصلحون، فإن أقواله عن الجرائم التي تقترف في حق الذات الإلهية، وضرورة معاقبتها بأقسى مما تعاقب به أي جريمة أخرى، يتردد فيها صوت النذير المخيف.
अज्ञात पृष्ठ