मदीना फादिला कब्र तारीख
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
शैलियों
18
أنه قال في وصف مائدة الطعام في بيته: «إن الخيانة لا تختبئ تحت هذه المائدة.» فكذلك أدرك ليكورجوس قبله أن مثل هذا البيت لا يسمح بأي شكل من أشكال الترف والأبهة اللذين لا ضرورة لهما. والواقع أن من السخف أن يجلب الإنسان إلى مسكن شديد البساطة والتواضع أسرة ذات قوائم من الفضة، وأغطية من الأرجوان، وكئوسا ذهبية، بالإضافة إلى سائر النفقات التي تترتب على تلك الأشياء. ولكن الجميع لن يستغنوا عن توفير السرير المناسب للمكان، وغطاء السرير، وبقية الأدوات المنزلية، والأثاث الضروري ...»
والتقشف هو الطابع المألوف لمعظم اليوتوبيات، وقد رأينا أن أفلاطون يعتبر الاعتدال إحدى الفضائل الأساسية لمواطني جمهوريته. أما في أسبرطة فلم ينظر إلى التقشف كأحد المبادئ الأخلاقية فحسب، وإنما كان ضرورة حتمية، لأن أهل «لاكيديمونيا» عاشوا في حالة حرب دائمة، أي في حالة استعداد للحرب. وقد سبق ليكورجوس الدكتاتوريات الحديثة، عندما عرف تمام المعرفة أن النظم المستبدة لا يمكنها أن تعيش، إلا إذا جعلت من الحرب مؤسسة دائمة. ولم يكن توزيع الأراضي وتحقيق المساواة في الدخول مجرد ضرورة تحتمها اقتصاديات الحرب، وإنما كان الهدف منها هو رفع الروح المعنوية في أثناء الحرب. وقد أعيد اختبار فائدة هذه الإجراءات في السنوات الأخيرة، عندما رأينا رؤساء دول محافظين يتبنون تنظيمات من شأنها أن تفرض المساواة في المسئوليات والتضحيات التي لا يمكن الاستغناء عنها، للمحافظة على الروح المعنوية العالية في أثناء الحرب. والفارق الوحيد هو أن أسبرطة عبأت الأشخاص والثروات، وقننت التموين والطعام بشكل مطلق، ربما لم يسبق لأي بلد أن لجأ إليه في حالة الحرب.
ويبدو أن للصبر حدودا حتى عند الأسبرطيين، فقد تمردوا على ليكورجوس عندما أجبرهم على تناول طعامهم في وجبات مشتركة، وهنا نجد مرة أخرى أن الاعتبارات العملية احتلت المرتبة الثانية من حيث الأهمية.
ورغبة منه في القضاء الكامل على الرفاهية واستئصال حب الثروة، شرع ليكورجوس تنظيما ثالثا كان على درجة كافية من الحكمة والطرافة، وذلك هو استخدام الموائد العامة، حيث كان يفرض على الناس جميعا أن يأكلوا أنواعا معينة من اللحوم التي حددها القانون، كما منعوا في الوقت نفسه من تناول الطعام في بيوتهم على أرائك ومناضد غالية الثمن، وحرم عليهم أن يستعينوا بالقصاصين والطهاة، أو أن يسمنوا كالحيوانات النهمة بين جدران بيوتهم، لأن ذلك كله لن يفسد أخلاقهم فحسب، وإنما سيفسد أجسامهم أيضا، ولو تركوا للانغماس في كل أنواع الملذات، لاحتاجوا إلى ساعات نوم أطول، وحمامات ساخنة، ولنفس الرعاية التي يستلزمها المرض المزمن. كان تحقيق هذا شيئا عظيما بكل تأكيد، ولكن الأعظم منه هو تأمين الثروات من النهب والحسد، كما عبر ثيوفراسط،
19
بل تجريد الثروات من وجودها نفسه عن طريق اشتراكهم في الطعام وجلوسهم معا على موائد شحيحة. فأي نفع أو استمتاع بهذه الثروات، وهل هناك فرصة لاستعراض الأبهة والفخامة، حيث يجتمع الرجل الفقير مع الغني على مائدة واحدة؟ ومن هنا لوحظ أن بلوتوس، وفقا للمثل السائر، بقي أعمى في أسبرطة وحدها وظل كالشبح محروما من الحياة والحركة. ويجب أيضا أن نلاحظ أن تناول الوجبات في المنزل لم تكن له أي ميزة، كما أن كل من يأتي إلى الوجبات العامة دون شهية ولا يتناول طعامه أو شرابه مع المجموعة كانت تتم مراقبته بدقة، ويلومونه كشخص مسرف ومخنث ومتمرد على الوجبات العامة.
كان يجلس إلى كل مائدة خمسة عشر شخصا، وربما زاد العدد أو نقص عن ذلك قليلا. وكان يفرض على كل واحد منهم أن يحضر معه حصة من الطعام شهريا، وثمانية جالونات من النبيذ، وخمسة أرطال من الجبن، ورطلين ونصف الرطل من التين، وكمية قليلة من النقود لشراء اللحم والسمك. وإذا حدث أن ضحى أحدهم بالقطفة الأولى من الفواكه، أو ذبح غزالا ، فعليه أن يرسل جزءا منها إلى المأدبة العامة، وبعد تقديم التضحية أو الصيد يصبح حرا في أن يتناول عشاءه في بيته. ولكن كان يفرض على بقية المواطنين أن يوجدوا في أماكنهم المعتادة على الموائد العامة. كما كان الأطفال أيضا يشاركون في هذه الموائد العامة التي كانت شبيهة بالمدارس العديدة التي تعلمهم النظام وضبط النفس، وهناك يسمعون محاضرات تتعلق بنظام الحكم، وينشئون على الأساليب التربوية الحرة.
هذا التشدد نفسه، وتجاهل الحرية الفردية للمواطنين، كان أمرا ملازما لكل قوانين ليكورجوس، التي تولت شئون المواطن من المهد (بل قبل ذلك أيضا) إلى اللحد. وكان ليكورجوس يبدأ تربية الشباب «منذ النشأة الأولى، مع أخذ الحمل والميلاد في الاعتبار». ولهذا السبب لا يتم الزواج وفقا لميول الأفراد، بل وفقا لمصلحة الدولة. وعلى الرغم من أن الفكرة التي تقول بأن حب الأسرة لا ينبغي أن يحل محل حب الدولة، لم يعبر عنها بلوتارك في «حياة ليكورجوس» بنفس الوضوح الذي عبر عنه كامبانيلا في يوتوبياه المتأخرة «مدينة الشمس»، غير أنها تدل على أن وحدة المواطنين يجب ألا تفصم عراها الروابط القوية بين الرجل والمرأة. وكما كانت المساواة في توزيع الثروة سببا في استئصال الحسد، توقفت الغيرة عندما سمح الأزواج لزوجاتهم بمعاشرة رجال قادرين على إنتاج نسل يتمتع بصحة جيدة، وسمح للرجال، حتى بعد الزواج، بأن يعيشوا حياة العزوبة، فيناموا في المضاجع العامة ولا يلتقوا بزوجاتهم إلا لأجل الاتصال الجنسي فحسب.
وإليك التبرير الذي قدمه ليكورجوس للعلاقات غير الزوجية: «وبعد أن أقر أصول التواضع واللياقة الواجبة نحو الزواج، حرص كذلك حرصا شديدا على تخليص تلك الدولة من مشاعر الغيرة وانفعالاتها النسائية العقيمة، فجعل مما يشرف الرجال أن ينجبوا أطفالا بالاشتراك مع رجال من ذوي المكانة المرموقة، وأن يتجنبوا كل المظاهر العدوانية في تعاملهم مع زوجاتهم. وقد سخر من أولئك الذين يلجئون إلى الحرب وإراقة الدماء للانتقام ممن يتصلون بامرأة متزوجة، فسمح بأن يقدم الرجل المسن لزوجته الشابة شابا يوافق عليه ويتسم بالشرف واللياقة، وعندما تنجب طفلا من هذا النسب الكريم، يقوم بتربيته كما لو كان طفله. ومن ناحية أخرى، إذا أعجب رجل بامرأة متزوجة بسبب تواضعها وجمال أطفالها، يسمح له بأن يستأذن زوجها في التصريح له بالاجتماع بها، لأن زرع تربة جميلة يمكن أن يثمر أطفالا ممتازين من أبوين ممتازين. ويرجع هذا كله إلى أن ليكورجوس يعتبر أن الأطفال ملكا للدولة، قبل أن يكونوا ملك آبائهم، ولذلك لا يريدهم أن يأتوا من أبوين عاديين، بل أن ينحدروا من أفضل الرجال. كما أن ليكورجوس لاحظ غرور وسخف تلك الأمم الأخرى التي يجتهد فيها الناس في الحصول على أفضل سلالة من الخيول والكلاب، ولا يبخلون على ذلك بالجهد أو المال، بينما يغلقون الأبواب على زوجاتهم، ويمنعونهم من إنجاب أطفال من أحد سواهم، على الرغم من أنهم قد يكونون عاجزين واهني القوة. وكأن هؤلاء لا يفرقون بين الضرر والنفع، بين أطفال يولدون من أصول مريضة فلا يصلحون لشيء، فضلا عن تدمير آبائهم، وبين أطفال يولدون أصحاء أقوياء من أصول سليمة. هذه التعليمات التي كانت تؤمن إنجاب نسل صحيح، ومن ثم نافع للدولة، كانت في الحقيقة أبعد ما تكون عن تشجيع انحراف النساء الذي ساد في فترة تالية، ولذلك لم يعرف الزنا بينهن.»
अज्ञात पृष्ठ