मदीना फादिला कब्र तारीख
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
शैलियों
أما الذين لا يتطلعون لمراكز السلطة لمجرد الطمع في النفوذ الذي تتيحه لهم، فتوفر لهم امتيازات أكبر: «وبجانب الحافز الأكبر على بذل الجهد، وهو الذي تؤكده حقيقة أن المراكز الرفيعة في الأمة متاحة لأفراد الطبقة العالية فحسب، هناك أيضا حوافز مختلفة من نوع أقل - وإن لم تقل عن ذلك الحافز الأكبر تأثيرا - وتتخذ شكل امتيازات وحصانات خاصة تعزز النظام الذي يرعاه أبناء الطبقة العليا. ومع أن هذه الحوافز الأخيرة في جملتها ليست بذات أهمية كبيرة، إلا أنها تنبه كل إنسان إلى ضرورة السعي للارتقاء إلى مرتبة أعلى.»
ومن جهة أخرى يعاقب من يخرجون على نظام الجيش الصناعي عقابا شديدا: «لأن التراخي في العمل، والعمل السيئ، أو الإهمال الصريح من قبل أناس عاجزين عن البذل بسخاء، لا يمكن أن يسمح به النظام الصارم للجيش الصناعي. أما الإنسان القادر على أداء الواجب، ومع ذلك يصر على الامتناع عنه، فإنه يستبعد تماما من المجتمع البشري.» ويستلزم التسلسل في المراتب وجود آلية بيروقراطية ضخمة، كما يستلزم الإبقاء على نظام العمل بالقطعة الذي كان يتوقع اختفاؤه مع إلغاء الأجور: «ولتيسير اختبار الكفاءة يتبع العمل الصناعي كله - حيثما كان ذلك ممكنا ومهما ترتب عليه من أضرار - نظام العمل بالقطعة، فإذا استحال ذلك تماما، يستبدل به أفضل نظام ممكن لتحديد القدرات. ويخضع العاملون سنويا للفحص، بحيث لا تحتاج الجدارة للانتظار طويلا حتى تظهر للوجود، ولا يمكن الركون للإنجازات السابقة، وإلا هبطوا إلى المرتبة الأدنى. وتنشر في الجريدة الرسمية نتائج الفحص السنوي الذي يحدد وضع جميع العاملين في الجيش (الصناعي).»
وخارج الجيش الصناعي يتمثل الحافز التشجيعي في الأوسمة: «فالشرف الأسمى في الأمة، حتى من الرئاسة، وهو الذي يعبر عن الذوق السليم والتفاني في أداء الواجب، هو الوشاح الأحمر الذي يمنح، بعد استفتاء شعبي، لكبار المؤلفين والفنانين والمهندسين وعلماء الطبيعة والمخترعين من أبناء الجيل. ولا يجوز أن يحمل هذا الوشاح أكثر من مائة شخص في وقت واحد، على الرغم من أن كل شاب نابه في البلاد يقضي الليالي الطويلة ساهرا يحلم به.»
وتتولى مهمة الإنتاج والتوزيع في البلاد إدارة مركزية، ويستحيل في رأي بيلامي أن تحدث أي أخطاء، وذلك بفضل بساطة القوانين وحكمتها، ولأن العمل الإداري كله في أيدي «خبراء». وقد ألغيت الحكومات المحلية خشية تدخلها في نظام الجيش الصناعي الذي يتطلب بطبيعة الحال أن يكون مركزيا وموحدا.
وقد تم تبسيط المهام الحكومية إلى حد كبير مع اختفاء الجيش والبحرية، ووزارتي الدولة والمالية، والضرائب ومحصليها. ومع ذلك فلم يصل مجتمع بيلامي المثالي إلى حد الاستغناء عن الشرطة والقضاء، على الرغم من تخفيض أعدادهما وواجباتهما - كما يؤكد ذلك - إلى الحد الأدنى. كذلك اختفت السجون لأن كل حالات «النكوص» يتم التعامل معها في المستشفيات ... ولا بد أيضا أن نشير إشارة عابرة إلى إلغاء نظام المحلفين وتعيين القضاة من قبل الرئيس، ومن بين المواطنين الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والأربعين.
إن إيمان «بيلامي» غير المحدود بحكمة «الخبراء» و«الإدارة» لا يعادله إلا ثقته في التقدم التقني. ويبدو أنه تصور أن سعادة الإنسان تكمن في ازدياد كمية السلع الاستهلاكية، وفي مطاعم أكبر وأفضل، وفي سرعة تسلم السلع من المخازن، وفي ناطحات السحاب والشوارع المغطاة بمادة عازلة للماء خلال الطقس السيئ. و«اختراعات» بيلامي، مثل اختراع الموسيقى عن طريق الهاتف، تعد اليوم مسلية لنا باعتبارها توقعات مشوقة. وإذا كانت الفقرة التالية تشعرنا بحسن حظنا حين نعرف مدى حماس إنسان من القرن التاسع عشر لاختراع نعتبره اليوم أمرا مفروغا منه، فإننا نشعر أيضا أن السعادة لا يمكن بعد كل شيء أن تتولد عن التقدم التقني وحده: «قالت: «تعال، إذن، إلى حجرة الموسيقى.» وتبعتها إلى ركن مجهز بالخشب، خال من الستائر، وأرضيته من الخشب المصقول. كنت قد تهيأت لرؤية آلات موسيقية جديدة، ولكنني لم أر شيئا في الحجرة يمكن أن يوحي بهذا. وكان من الواضح أن مظاهر الاندهاش والحيرة التي بدت على وجهي قد أمتعت إديث متعة شديدة. «انظر إلى موسيقى هذه الأيام.» قالت هذا وهي تسلمني بطاقة. ثم أضافت قائلة: «وأخبرني ماذا تفضل سماعه. تذكر أن الساعة الآن تبلغ الخامسة.»
كانت البطاقة تحمل تاريخ «12 سبتمبر سنة 2000»، وتتضمن أطول برنامج موسيقي عرفته في حياتي. وكان البرنامج متنوعا بقدر ما كان طويلا، فقد احتوى على صف غريب من الأعمال الصوتية والآلية من عزف منفرد وثنائي ورباعي ومؤلفات أوركسترالية متنوعة. ووقفت حائرا أمام القائمة المذهلة حتى أشارت إديث بطرف أصبعها المصبوغ بالأحمر لقسم خاص، حيث وضعت أقسام عديدة بين أقواس ومعها هذه الكلمات: «الخامسة بعد الظهر»، ولاحظت بعد قليل أن هذا البرنامج المدهش مخصص ليوم كامل وموزع على الساعات الأربع والعشرين. ولم أجد أمام القسم الخاص بالساعة الخامسة سوى بعض القطع الموسيقية القليلة، فأشرت إلى قطعة للأرغن فضلتها على غيرها.
طلبت مني أن أجلس على كرسي مريح، ثم عبرت الغرفة، ولمست مفكا أو اثنين، وفي الحال امتلأت الغرفة بموسيقى لحن عظيم منبعث عن الأرغن، أقول امتلأت ولا أقول تدفقت، لأن النغم كان متجانسا تجانسا كاملا مع مساحة الحجرة. أنصت حتى الختام وأنا أتنفس بصعوبة، فلم أتوقع أبدا سماع مثل هذه الموسيقى الكاملة الأداء.
ولما تكسرت موجة الصوت الأخيرة وانحسرت لتتلاشى في الصمت صحت قائلا: عظيم. لا بد أن «باخ» نفسه هو الذي لمس مفاتيح الأرغن ... ولكن أين الأرغن نفسه؟
قالت إديث: «انتظر لحظة من فضلك، فأنا أريد منك أن تستمع إلى هذا الفالس قبل أن تسأل أي أسئلة. أعتقد أنه ساحر إلى أكمل حد.» وبينما هي تتحدث غمر أنحاء الحجرة صوت الكمان ممتزجا بسحر ليلة صيف. وعندما توقف الصوت قالت: «ليس في هذه الموسيقى شيء غامض كما تتصور. فلم يصنعها عفريت أو جان، بل أيد بشرية طيبة وأمينة وشديدة البراعة. لقد طبقنا ببساطة فكرة الاقتصاد في الجهد، عن طريق التعاون بيننا، على الموسيقى كما طبقناها على كل شيء آخر. هناك في المدينة عدد من القاعات المجهزة للموسيقى، وهي مكيفة تكييفا كاملا لجميع أنواع الموسيقى. وهذه القاعات المتصلة هاتفيا بجميع البيوت في المدينة مقابل رسوم بسيطة، وتأكد أنه لم يتخلف أحد من السكان عن الاشتراك. والفرق الموسيقية الملحقة بكل قاعة تتألف من عدد كبير من العازفين، بحيث يستمر البرنامج اليومي على مدار الأربع والعشرين ساعة، على الرغم من أن كل عازف منفرد أو مجموعة من العازفين لا يؤدون سوى دور بسيط في البرنامج. وتجد على بطاقة هذا اليوم، إذا دققت النظر بإمعان، برامج مميزة لأربع حفلات من هذا النوع، ولكل منها نظام موسيقي مختلف عن الأخرى، وهي تعزف الآن في وقت واحد، ويمكنك أن تستمع إلى أي قطعة تفضلها من القطع الأربع بالضغط على الزر الذي يصل سلك منزلك بالقاعة التي يتم فيها العزف. وقد تم تنسيق البرامج بحيث تتيح القطع الموسيقية التي تؤدى في نفس الوقت في القاعات المختلفة فرصة الاختيار، لا بين الأصوات والآلات فحسب، بل كذلك بين شتى البواعث الوجدانية من حزن إلى فرح، حتى تناسب كل الأذواق والأمزجة.»
अज्ञात पृष्ठ