मदीना फादिला कब्र तारीख
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
शैलियों
كذلك وثق كابيه ثقة أكبر ممن سبقوه في التطور الصناعي، وأكد أن «التقدم الصناعي يجعل تحقيق مشاعية السلع أمرا أيسر مما كان عليه في أي وقت مضى، فالتطور غير المحدود لقوى الإنتاج في الوقت الحاضر بفضل استخدام البخار والآلات يمكن أن يهيئ المساواة في الوفرة، ولا يوجد نظام أنسب منه للنهوض بالفنون والرقي بالملذات المعقولة للحضارة.»
5
ويحتمل أن يكون روبرت أوين، الذي اطلع كابيه على أعماله أثناء إقامته في لندن، هو الذي اقتدى به الأخير عندما حاول أن يضع نظرياته موضع التطبيق العملي، وذلك بتأسيس بعض التجمعات «الإيكارية» في أمريكا، وقد ظهرت «رحلة إلى إيكاريا» لأول مرة عام 1839م في طبعة محدودة تحت عنوان «رحلة ومغامرات اللورد وليم كريسدال في إيكاريا»، ثم أعيد عنوانها الحالي في يناير عام 1840م وحققت نجاحا فوريا، وصدر منها خمس طبعات من عام 1840م إلى عام 1848م واستقبلت يوتوبيا كابيه، في غمرة البطالة والفقر اللذين انتشرا بين الطبقة العاملة الفرنسية في ذلك الوقت بحماس شديد وترحيب لا نظير له. وتعاون العمال الذين لا يملكون ثمن الكتاب على شرائه، وظهرت في جميع أنحاء فرنسا جمعيات تنادي بأفكار كابيه عن الإصلاح الاجتماعي، وجمعت الأموال لإقامة بعض التجمعات الإيكارية في أمريكا.
وقرر كابيه حوالي سنة 1847م، أي عشية ثورة 1848م، أن يضع نظامه موضع التطبيق العملي، وبدأ في تسجيل الأعضاء الذين سيشكلون نواة أمة جديدة في أمريكا. وسافر إلى لندن عام 1847م ليتشاور مع أوين عن الموقع الذي يمكن أن تقام عليه المستعمرة الأولى، فنصحه بإقامتها في تكساس. وقد ثبت بعد ذلك أن هذا الاقتراح لم يكن موفقا، فبعد محاولات فاشلة في تكساس انتقل أول المستعمرين الإيكاريين إلى مستعمرة سابقة لطائفة المورمون.
6
في «ناوفو» بالقرب من سانت لويس، حيث تولى كابيه الإدارة بنفسه (وذلك بعد أن لعب دورا نشطا في ثورة باريس لعام 1848م، التي قام خلالها بقيادة أحد النوادي الاشتراكية ذات التأثير الواسع)، ولكنه اضطر للعودة إلى باريس عام 1853م، وبعد رحيله ضعفت «الكوميونة» ضعفا شديدا من جراء الصراعات الداخلية. ولما رجع كابيه إلى أمريكا عجز تماما عن إعادة النظام والاستقرار للمستعمرة، ومات عام 1856م ميتة رجل تخلى عن جميع الأوهام. ومع ذلك بقي عدد من الكوميونات (التجمعات التعاونية) الإيكارية بعد ذلك التاريخ لبضعة عقود، إلى أن تفكك آخرها في عام 1898م.
لقد وصفت رحلة كابيه إلى إيكاريا بإنجيل الشيوعية الإيكارية، والحقيقة أنها تزيد على كونها مجرد يوتوبيا. فالقسم الأول الذي يصف بلدا خياليا نظمت فيه «أمة» عظيمة في جماعة يمكن اعتباره يوتوبيا بالمعنى الصحيح، ولكن القسم الثاني يشرح كيفية إقامة نظام شيوعي، ويناقش «نظرية الجماعة ومذهبها مع الإابة عن كل الاعتراضات التي قد تثار ضدها»، أما القسم الثالث فهو تلخيص للمبادئ التي يقوم عليها نظام الجماعة (أو الكوميونة).
إن الأسباب التي تجعل إحدى اليوتوبيات شعبية تساوي في غموضها الأسباب التي تتحكم في أي كتاب يحقق رواجا كبيرا بين الناس، ومع ذلك فإن يوتوبيا كابيه يمكن أن تعطينا بعض الدلالات على الخصائص اللازمة للنجاح. ويبدو أن أولى هذه الخصائص هي أن يتخلى الإنسان الذي يصف البلد الخيالي بقدر الإمكان عن أي تحفظ في إعجابه به، وأن يرسم له صورة زاهية الألوان بشكل صارخ. ولا شك في أن إقحام قصة حب رومانسية يعد وسيلة مؤكدة لزيادة فرص النجاح، مهما تكن القصة مغرقة في العاطفية وبعيدة الاحتمال، كما أن أحد العوامل التي تزيد من سحر القصة أن اللورد الإنجليزي شاب وسيم لا يستطيع إخفاء إعجابه بمعجزات الديمقراطية، وأن الخياطات وصانعي الأقفال الذين قابلهم في اليوتوبيا كان من الممكن في ظل النظام القديم أن يكونوا أميرات ودوقات. وقد قدم كابيه كل هذه الخلفية العاطفية وأكثر منها. ولعل هذا يفسر نجاح الكتاب على الرغم من افتقاره للأصالة، ومن التكرار الشديد في كثير من أجزائه، ومن أسلوبه الذي يتعذر قراءته في هذه الأيام. وأيا كان الدور الذي ساهمت به المغامرات الشخصية للورد وليم كريسدال، وفاتنات إيكاريا اللائي التقى بهن أثناء رحلته إلى أكمل بلد في العالم، في نجاح الكتاب ورواجه، فلن يمكننا التطرق إليها في هذا المقام، ولذلك سنبدأ بوصف مختصر لهذا البلد.
تقع إيكاريا في موقع ملائم يعزلها عن بقية العالم بجبال تحوطها من الشمال والجنوب، ونهر يجري إلى الشرق منها والبحر من الغرب. وهي تنقسم إلى مائة محافظة متساوية بصورة أو أخرى في الحجم وعدد السكان. وتنقسم كل محافظة إلى عشر كوميونات (تجمعات محلية) متساوية في الحجم. وتقع المدينة الرئيسية للمحافظة في مركزها تقريبا، كما تقع المدينة الرئيسية للكوميون في مركزه. ويتكون كل كوميون، بجانب مدينته الرئيسية، من ثماني قرى وعدد من المزارع الموزعة بانتظام على أراضيه. وهناك شبكة كثيفة من الطرق والسكك الحديدية والقنوات تربط كل أجزاء البلاد. ويرجع الفضل في الترتيب المتناسق للمدن والبلدان - كما في يوتوبيا مور - إلى منقذ البلاد ومشرع قوانينها الذي أعطاها كذلك اسمه وهو إيكاروس.
وقد أعيد بناء العاصمة إيكاريا طبقا لخطة فائقة البراعة، لم تكتف بتحديد شكلها بدائرة شبه كاملة، بل حولت كذلك مسار النهر في خط مستقيم وحصرته بين ضفتين منيعتين. وفي مركز المدينة يتفرع النهر إلى فرعين تقع بينهما جزيرة ذات شكل دائري أيضا بطبيعة الحال. وفي الجزيرة مربع مزروع بالأشجار، وفي وسطه يقع المبنى الرئيسي للمدينة تحيط به حديقة فخمة، وفي المركز من هذه الحديقة يرتفع عمود هائل يعلوه تمثال ضخم يهيمن بشموخه على كل المباني الأخرى. وكل شيء في إيكاريا منظم بأقصى قدر ممكن من الحرص على التناسق. وجميع الشوارع مستقيمة ومتسعة. وهناك خمسون شارعا رئيسيا تخترق المدينة بموازاة النهر، وخمسون أخرى متعامدة معه بزوايا قائمة، وبين الشوارع ميادين مزينة بحدائق جميلة، كما توجد حدائق خلفية في جميع المنازل تقوم الأسر التي تملكها بزراعتها.
अज्ञात पृष्ठ