إن فهم ذلك يحتاج إلى تأمل النفس البشرية: فهي ليست موحدة المشاعر والميول. ولو جاز أن تجد نفسا خالدة الألم لفقد شقيقتها في عالم النفوس، لجاز أيضا أن تكون في لوعتها الخالدة ذات تصاريف في الشكوى والأنين! وليس طلب السلوة إلا صرخة الوجد يعجز عن كبحها المتيم العاني: ومن الذي يحرم على شقي أن يلتمس إلى السعادة السبيل؟ ومتى كان المحبون سعداء حتى يكون طلب الخلاص من بلواهم كفرا بنعمة الحب التي ابتلى الله بها أولئك الشهداء؟! وقد يحسن أن ننشد القارئ قول البحتري نفسه:
قد كان مني الوجد غب تذكر
إن كان منك الصد غب تناسي
تجري دموعي حيث دمعك جامد
ويرق قلبي حيث قلبك قاسي
ألا تراه جعل الوجد أثرا للتذكر الذي حسب البكاء يفضي إليه فيريحه من الشوق في قوله:
وبكاء الديار مما يرد الشو
ق (ذكرا) والحب نضوا ضئيلا
فهو يجعل الذكر دواء تارة، ويجعله داء تارة أخرى! ولسنا نتخذ من ذلك دليلا يرضاه المنطق عن خلود الصبابة، والعالم كله لن يرزق الخلود، ولكنا نستدل به على الحيرة يرزأ بها المتيم المحزون، فما يدري أيشفيه الدمع، أم يزيد لوعته اضطراما.
على أنه لا عيب على الشاعر في أن «تتناقض» خواطره؛ لأن الشعر كالمرآة، والنفس دنيا ثانية، تتراءى صورها المختلفة، في لوحة الشعر الجميل.
अज्ञात पृष्ठ