وقرائي من غير المسلمين لا يسيئهم هذا القول، فليس القرآن ملكا للمسلمين، وإنما هو ملك للإنسانية جمعاء، وكذلك كانت التوراة وكان الإنجيل، وهل كانت الشرائع إلا موارد يفزع إليها الظماء في عالم العقول، والقلوب، والأذواق؟
ونعود إلى موضوع الكتاب فنقول: كانت المدائح النبوية أول الأمر نوعا من المدائح التي تجري على الطرائق الجاهلية، وقد فصلنا ذلك في الفصل الأول من الكتاب، فعرضنا لدالية الأعشى، ولامية كعب، وقصائد حسان، ثم تكلمنا عما وقع في خطب علي بن أبي طالب من المدائح، وبينا كيف نشأ مدح أهل البيت، وكيف ترعرع هذا الفن في البيئات الإسلامية، ثم خصصنا الكميت بدراسة وافية، وهو شاعر فحل شرع للشيعة مذاهب القول، وعلمهم أساليب الجدل والحجاج، وأتبعنا ذلك بفصل عن دعبل، وهو شاعر خبيث اللسان، ولكنه ترك لنا تائية قليلة النظائر والأمثال. ومضينا إلى قصائد الشريف الرضي في صريع كربلاء، وقصائد مهيار في أهل البيت، فأعطينا القارئ فرصة يتعرف فيها إلى طوائف من النوازع الروحية، قل من اهتم بها من الباحثين.
فلما وصلنا إلى البوصيري، وقفنا على آثاره وقفة طويلة، وحدثنا القارئ عما عنده من ضروب السحر والفتون، ثم تكلمنا عن أثر البردة في اللغة العربية، وأرينا القارئ كيف انتهى فن المدائح النبوية إلى فن أدبي رفيع ، هو فن البديعيات، الذي أذاع في الناس ألوانا من الثقافة الأدبية، وساقنا ذلك إلى التحدث عن رجل شهير بين أصحاب البديعيات: هو ابن حجة الحموي الذي أذاع أدب مصر والشام في القرن الثامن.
ثم تكلمنا عن المدائح النبوية في شعر ابن نباتة المصري، وختمنا الكتاب بالكلام عن قصة المولد النبوي.
ذلك موضوع الكتاب الذي نقدمه إلى القراء فرحين مغتبطين، وليس فيه بحمد الله ما نعتذر عنه إلا الإيجاز، وهو عذر يقبله القارئ حين يتذكر أنه كان في الأصل بابا من كتاب.
ولنسارع فنحدث القارئ بأننا لم نرد الاستقصاء، وإنما اكتفينا بالكلام عن آثار الشعراء الفحول، ولو أردنا التحدث عن هذا الفن من جميع نواحيه لساقنا البحث إلى الكلام عن ناس لم يكن لهم من الذوق الأدبي خلاق.
والله نسأل أن يتقبل هذا البحث الذي لم نرد به حين أنشأناه غير وجهه الكريم.
محمد زكي عبد السلام مبارك
الفصل الأول
نشأة المدائح النبوية
अज्ञात पृष्ठ