إن ذلك الروح القهار، روح الرجل الذي اتهمه معاصروه بالشعر والسحر والجنون، إن ذلك الروح هو شعلة أبدية ستظل ما بقيت الأرض والسماء فتنة للعقول والقلوب، وسيأتي زمان يرتاب فيه الناس في مكانة محمد بن عبد الله من التاريخ، وسيقول قوم إن شمائل ذلك الرجل أقوى وأخطر من أن يسمح بمثلها الوجود، وسيقولون إنه لم يكن إلا رمزا تمثل به الناس كيف تكون مكارم الأخلاق.
إي والله، سيقولون ذلك، فلنسبقهم نحن بهذا القول مع الاعتراف بأنه عرف هذه الدنيا وشهد هذا الوجود، وأي غرابة في أن يخلق الله رجالا يمثلون العظمة الروحانية، ويظلون على الدهر مضرب الأمثال؟
وقد كان حظ النبي محمد أوفى الحظوظ بين الرسل والأنبياء، فكل نبي قامت من حوله الأساطير، وصورت شمائله بألوان صيغ أكثرها من الخيال، أما النبي محمد فحجته الباقية هي القرآن، وهو كتاب لم يضف إليه سطر واحد بعد موت ذلك الرسول، فهو من الوثائق التاريخية التي يندر أن يكون لها مثيل.
وإلى من نوجه هذا القول؟
أتروننا ندافع عن ذلك الكتاب المجيد؟
ومن عسى أن يكون أعداء ذلك الكتاب؟
وهل كان الملحدون إلا ناسا سخفاء طاشت حلومهم، وظنوا الزيغ من البراقع التي تستر الغباوة والجهل؟
ومن العجب أن نرى بين أعداء القرآن من يعجب بشعر أبي نواس، ويراه صالحا لأن يوضع في الميزان مع أكبر شعراء اليونان.
فأين شعر أبي نواس كله من آية واحدة ستظل أعجوبة البيان في جميع الأزمان؟
وما أدري والله كيف يعقل من يهذي بمثل هذا القول، إلا أن يكون السخف صار من علائم التفوق في هذا الزمن الرقيع!
अज्ञात पृष्ठ