13- من كتابه في المسائل والجوابات في المعرفة

पृष्ठ 45

فصل من صدر كتاب المسائل والجوابات في المعرفة

| فصل من صدر كتاب المسائل والجوابات في المعرفة

بالله نستعين، وعليه نتوكل، وما توفيقنا إلا بالله.

اختلف الناس في المعرفة اختلافا شديدا، وتباينوا فيها تباينا مفرطا. فزعم قوم أن المعارف كلها فعل الفاعلين إلا معرفة لم يتقدمها سبب منهم، ولم يوجبها علة من أفعالهم. ولم يرجعوا إلى معرفة الله ورسوله، والعلم بشرائعه، ولا إلى كل ما فيه الاختلاف والمنازعة، وما لا يعرف حقائقه إلا بالتفكر والمناظرة، دون درك الحواس الخمس.

فزعموا أن ذلك أجمع فعلهم، على الأسباب الموجبة، والعلل المتقدمة، وجعلوا مع ذلك سبيل المعرفة بصدق الأخبار، كالعلم بالأمصار القائمة، والأيام الماضية، كبدر وأحد والخندق، وغير ذلك من الوقائع والأيام، وكالعلم بفرغانة والأندلس، والصين والحبشة، وغير ذلك من القرى والأمصار سبيل الاكتساب والاختيار؛ إذ كانوا هم الذين نظروا حتى عرفوا فصل ما بين المجيء الذي لا يكذب مثله، والمجيء الذي يمكن الكذب في مثله.

पृष्ठ 47

فزعموا أن جميع المعارف سبيلها سبيل واحد، ووجوه دلائلها وعللها متساوية، إلا ما وجد الحواس بغتة، وورد على النفوس في حال عجز أو غفلة، وكان هو القاهر، للحاسة، والمستولي على القوة، من غير أن يكون من البصر فتح، ومن السمع إصغاء ومن الأنف شم، ومن الفم ذوق ومن البشرة مس، فإن ذلك الوجود فعل الله دون الإنسان، على ما طبع عليه البشر، وركب عليه الخلق.

قالوا: فإذا كان درك الحواس الخمس إذا تقدمته الأسباب، وأوجبته العلل فعل المتقدم فيه والموجب له، ودرك الحواس أصل المعارف، وهو المستشهد على الغائب، والدليل على الخفي، وبقدر صحته تصح المعارف، وبقدر فساده تفسد فالذي تستخرجه الأذهان منه، وتستشهده عليه، كعلم التوحيد، والتعديل والتجوير، وغامض التأويل، وكل ما أظهرته العقول بالبحث، وأدركته النفوس بالفكر من كل علم، وصناعة الحساب والهندسة، والصياغة والفلاحة أجدر أن يكون فعله والمنسوب إلى كسبه.

पृष्ठ 48

قالوا: فالدليل على درك الحواس فعل الإنسان على ما وصفنا واشترطنا، من إيجاب الأسباب، وتقدم العلل: أن الفاتح بصره لو لم يفتح لم يدرك. فلما كان البصر قد يوجد مع عدم الإدراك، ولا يعدم الإدراك مع وجود الفتح، كان ذلك دليلا على أن الإدراك إنما كان لعلة الفتح، ولم يكن لعلة البصر؛ لأنه لو كان لعلة صحة البصر كانت الصحة لا توجد أبدا إلا والإدراك موجود. فإذا كانت الصحة قد توجد مع عدم الإدراك، ولا يعدم الإدراك مع وجود الفتح، كان ذلك دليلا على أن الإدراك إنما كان لعلة الفتح، ولم يكن لعلة البصر؛ لأنه لو كان لعلة صحة البصر كانت الصحة لا توجد أبدا إلا والإدراك موجود. فإذا كانت الصحة قد توجد مع عدم الإدراك، ولا يعدم الإدراك مع وجود الفتح، كان ذلك شاهدا على أنه إنما كان لعلة الفتح دون صحة البصر.

وقالوا: ولأن طبيعة البصر قد كانت غير عاملة حتى جعلها الفاتح بالفتح عاملة، ولأن الفتح علة الإدراك ومقدمة بين يديه، وتوطئة له. وليس الإدراك علة للفتح ولا مقدمة بين يديه، ولا توطئة له، فواجب أن يكون فعل الفاتح، لأن السبب إذا كان موجبافالمسبب تبع له.

فصل منه

| فصل منه

ثم قالوا بعد الفراغ من درك الحواس في معرفة الله ورسوله وكل ما فيه الاختلاف والتنازع، أن ذلك أجمع لا يخلو من أحد أمرين:

إما أن يكون يحدث من الإنسان لعلة النظر المتقدم، أو يكون يحدث على الابتداء، لا عن علة موجبة وسبب متقدم.

فإن كانوا أحدثوه على الابتداء، فلا فعل أولى بالاختيار، ولا أبعد من الاضطرار منه.

पृष्ठ 49

وإن كان إنما كان لعلة النظر المتقدم، كما قد دللنا في صدر الكلام على أن درك الحواس فعل الإنسان إذا تقدم في سببه، فالعلم بالله وكتبه ورسله أجدر أن يكون فعله. إذ كان من أجل نظره علم، ومن جهة بحثه أدرك.

فهذه جمل دلائل هؤلاء القوم. ورئيسهم بشر بن المعتمر.

ثم هم بعد ذلك مختلفون في درك الحواس إلا ما اعتمد إدراكه بعينه وقصد إليه بالفتح والإرادة؛ لأن الفتح نفسه لو لم يكن معه قصد وإرادة ما كان فعل الفاتح. فكيف يجوز أن يكون الإدراك فعله من غير قصد.

ولو جاز أن يكون الفتح فعل الإنسان من غير أن يكون أراده وقصد إليه، ما كان بين فعل الإنسان وبين فعل غيره فرق؛ لأنه كان لا يجوز أن يكون ذهاب الحجر إذا لم يدفعه، ولم يقصد إليه، ولم يخطر له على بال، فعله. فكذلك الإدراك إذا لم يخطر على باله، ولم يقصد إليه، ولم يتعمده، لا يكون فعله.

فصل منه

| فصل منه

وليس على المخبر بقصة خصمه والواصف لمذهب غيره، أن يجعل باطلهم حقا، وفاسدهم صحيحا، ولكن عليه أن يقول بقدر ما تحتمله النحلة، وتتسع له المقالة، وعليه أن لا يحكي عن خصمه ويخبر عن مخالفه إلا وأدنى منازله ألا يعجز عما بلغوه، ولا يغبى عما أدركوه.

पृष्ठ 50