माकुल और ना माकुल हमारी बौद्धिक परंपरा में
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
शैलियों
من رأي مؤلف هذا الكتاب أن الغزالي خطط منهجا عقليا للبحث، لكنه لم يلتزم هذا المنهج في أي من كتبه. الغزالي يقف من الفكر اليوناني موقف الرفض كما يظهر ذلك في كتاب «تهافت الفلاسفة». اتهامه للفلسفة الأرسطية بالتهافت. في هذا الكتاب - «تهافت الفلاسفة» - يطرح الغزالي عشرين مسألة يراها موضعا لمؤاخذة الفلاسفة، كان من بينها مسألة السببية. موضع الشبه وموضع الاختلاف بينه وبين الفيلسوف الإنجليزي هيوم في مسألة السببية. ابن رشد يتصدى للغزالي بكتابه «تهافت التهافت». «العقل العربي يحاور بعضه بعضا». (56)
برغم عقلانية الغزالي وانطلاق فكره فقد رسم للمسلمين طريقة للحياة وكأنما صبهم في قوالب من جديد. أغلق الغزالي باب الفلسفة أمام العقل العربي فلم يفتح ثانية إلا بعد ثمانية قرون. نموذج من التحديد الذي قيد به الغزالي سلوك المسلم: «آداب الأكل»، كما ورد ذلك في «إحياء علوم الدين». (57)
لمحطة خاطفة في دنيا أبي العلاء المعري.
القسم الثاني: شطحات اللاعقل
الفصل الثامن: اللامعقول، ما هو؟ (58)
نستطيع تحديد «اللاعقل» عن طريق تحديدنا ل «العقل». معنى «العقل» في الفلسفة المثالية. العقل عند المثاليين هو العلاقات الضرورية بين فكرة وفكرة أخرى تلزم عنها كما نجد في الرياضة. الروابط المكتسبة عن طريق الخبرة التجريدية ليست عندهم دالة على «عقل». هيوم في القرن الثامن عشر والغزالي في القرن الحادي عشر، أنكرا وجود علاقة ضرورية بين السبب والمسبب؛ وبهذا لا يكون إدراك السببية عملية «عقلية». الروابط الضرورية «العقلية» مقصورة على «الأفكار» دون «الأشياء» أو «الأحداث»، أما عند الفلاسفة التجريبيين ف «العقل» هو الانتقال من مقدمة (فكرة كانت أو شيئا أو حدثا) إلى نتيجة، سواء كان هذا السير في دنيا الأفكار أو في دنيا الظواهر الطبيعية. يتفق المثاليون والتجريبيون معا على أن «العقل» حركة استدلالية يحدث بها انتقال من بدء إلى نهاية، ويختلفان في أن هذه الحركة الاستدلالية التي هي «عقل» مقصورة عند المثاليين على توليد الأفكار بعضها من بعض، ولكنها تتسع عند التجريبيين لتشمل استدلال «الوقائع» أيضا بعضها من بعض.
من هذا التحديد لمعنى «العقل» يتبين أن «اللاعقل» هو «حالات» تسكن الإنسان، وليست ب «انتقالات» من مقدمة إلى نتيجة. (59)
بيان «العقل» و«اللاعقل» في أمثلة توضحهما. من أمثلة العقل وقفة العلم. خصائص التفكير العلمي هي نفسها خصائص العقل: الانتقال من الجزئي إلى الكلي، ومن المتعين إلى المجرد، التحليل، تحويل الخصائص الكيفية إلى صيغ كمية. ومن أمثلة العقل كذلك الموقف الإنسي (أو الإنساني)، ومن أمثلة اللاعقل الانفعالات والعواطف والرغبات، كل هذه «الحالات» تتميز بأنها «خاصة» بأصحابها، قد يشاركهم أو لا يشاركهم فيها الآخرون. ليس المقصود عند التمييز بين العقل واللاعقل أن نفاضل بينهما. عندما يوصف عصرنا بأنه يتسم باللامعقول في غير مجال العلوم، يكون المقصود هو أن العقل وحده مطلوب في ميدانه، ولكنه لا يكفي لوجود ميادين أخرى. كانت الرومانسية هي التي تفاضل بين الاثنين فتعلي من شأن العاطفة على العقل. مدارس علم النفس المعاصر من فرويدية وسلوكية يردان العقل إلى اللاعقل. عندما يعتمد الناس على «التقاليد» و«العادات» و«العرف» فهم إنما يعتمدون على اللاعقل ويتنكرون للعقل. كتاب دولتر بادجوت «الفيزياء والسياسة» وتحليله لسلطان العادات على الشعوب؛ أي سلطان «اللاعقل» عليها. ربط الأنماط السلوكية عند الناس في عصرنا بألفاظ معينة يرددها لهم أولو الأمر، هو من ظواهر اللاعقل في عصرنا. (60)
الإدراكات اللحظية المباشرة كلها من قبيل اللاعقل. تراثنا الفكري مزيج من معقول ولا معقول. الجانب العقلي وحده - في رأينا - هو ما يصلح لربط الحاضر بالماضي. برتراند رسل في تفرقته بين حالة التصوف والمنطق العقلي. قد تلتقي نظرة المتصوف في رجل واحد كما حدث لأفلاطون. للنظرة الصوفية إلى الوجود خصائص أربع : الأولى أن يكون الحدس دون العقل المنطقي وسيلة إدراك، والثانية أن يرى الكون وحدة واحدة لا تقبل التحليل، والثالثة هي أن الصوفي ينكر انقسام الزمن إلى لحظات، والرابعة هي عدم التفرقة بين ما يسميه الناس خيرا وشرا. (61)
مناقشة التفرقة بين إدراك الحدس وإدراك العقل. الحدس هو الغريزة وهو الوجدان، فكلها أدوات للإدراك لا تحتاج إلى تعلم واكتساب. مزعوم لهذه الأدوات أنها تدرك اليقين. رؤية الحدس قد تتناقض في حالتين؛ ومن ثم يجيء العقل ليراجعها فيختار من نقائضها ما يتسق مع سائر جوانب الخبرة. للمتصوف الحق في أن يقول إنه رأى كذا وكذا، ولكن ليس من حقه أن يدعي بأنه قد رأى اليقين؛ ومن ثم فواجبنا نحو اللامعقول في تراثنا أن نقبل منه ما يستطيع العقل قبوله. الغريزة ليست معصومة من الخطأ. الفلاسفة يختلفون في مبادئهم التي يقولون إنهم يدركونها بالحدس. مناقشة برجسون لأنه من أصحاب الركون إلى الحدس في مقابل العقل. للإدراك الحدسي حسنة إذا تصادف أنه صادق، وله سيئة إذا تصادف أن يكون باطلا؛ فعندئذ يصعب تغيير صاحبه إلى الصواب. (62)
अज्ञात पृष्ठ