मेकियावेली: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
مكيافيللي: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
الخلفية الإنسانية
ولد نيكولو مكيافيللي في فلورنسا في الثالث من مايو عام 1469. أول ما يأتينا من أخباره هو دوره النشط في شئون مدينته ومسقط رأسه عام 1498، نفس العام الذي أسقط فيه النظام الحاكم بقيادة سافونارولا من السلطة. كان جيرولامو سافونارولا، الزعيم الدومينيكاني لسان ماركو الذي كانت خطبه النبوئية قد سيطرت على الساحة السياسية الفلورنسية طوال السنوات الأربع السابقة لهذا التاريخ؛ قد اعتقل بتهمة الهرطقة في أوائل شهر أبريل، ثم ما لبث مجلس المدينة الحاكم أن بدأ في إقالة من بقي من مؤيديه من مناصبهم في الحكومة. كان أحد أولئك الذين خسروا مناصبهم نتيجة لذلك أليساندرو براتشيزي، رئيس الهيئة الاستشارية الدبلوماسية الثانية. في بادئ الأمر ظل المنصب شاغرا، لكن بعد تأخير دام لعدة أسابيع طرح اسم مكيافيللي، الذي لم يكن معروفا تقريبا، بصفته بديلا محتملا. في ذلك الوقت كان مكيافيللي يبلغ من العمر نحو تسعة وعشرين عاما، وكان من الظاهر أنه لا يملك أي خبرة إدارية سابقة، لكن ترشيحه لهذا المنصب لم يواجه أي صعوبة على ما يبدو، وفي التاسع عشر من يونيو صادق المجلس النيابي حسب الأصول على تعيينه بمنصب المستشار الدبلوماسي الثاني لجمهورية فلورنسا.
شكل 1-1: قصر فيكيو بفلورنسا، حيث عمل مكيافيللي في الهيئة الاستشارية الدبلوماسية الثانية من عام 1498 إلى عام 1512. (© Stephanie Colasanti/Corbis)
حينما التحق مكيافيللي بالهيئة الاستشارية الدبلوماسية، كانت هناك طريقة راسخة للتعيين في مناصب الهيئة الرئيسية؛ إذ كان على المسئولين الطامحين لشغل هذه المناصب أن يعطوا أدلة تظهر مهاراتهم الدبلوماسية، كما كان يتعين عليهم أن يظهروا قدرا كبيرا من الكفاءة فيما يعرف بالتخصصات الإنسانية. استمد مفهوم «الدراسات الإنسانية» هذا من أصول رومانية، لا سيما من شيشرون، الذي أحيا الفلاسفة الإنسانيون الإيطاليون مثله التربوية في القرن الرابع عشر، وصاروا يمارسون تأثيرا قويا على الجامعات وعلى طبيعة الحياة العامة في إيطاليا. تميز الإنسانيون في المقام الأول بالتزامهم بنظرية خاصة تتمحور حول المكونات الصحيحة للتعليم «الإنساني الحقيقي». كانوا يطلبون من طلابهم أن يبدءوا بإجادة اللغة اللاتينية، ثم ينتقلوا إلى ممارسة الخطابة ومحاكاة أرفع الكتاب الكلاسيكيين شأنا، ثم يكملوا دراساتهم بقراءة وافية للتاريخ القديم والفلسفة الأخلاقية. وقد أشاعوا أيضا الاعتقاد الراسخ بأن هذا النوع من التدريب يشكل أفضل تأهيل للحياة السياسية. كما دأب شيشرون على التأكيد مرارا على أن هذه التخصصات تعزز القيم التي نحتاج إلى اكتسابها في المقام الأول من أجل أن نخدم بلادنا جيدا، والتي تتمثل في الاستعداد لإعلاء الصالح العام على مصالحنا الخاصة، والرغبة في محاربة الفساد والاستبداد، والتطلع لبلوغ أنبل هدفين على الإطلاق؛ الشرف والمجد لبلادنا ولأنفسنا أيضا.
ومع تزايد استيعاب الفلورنسيين لهذه المعتقدات، بدءوا يدعون كبار أساتذة العلوم الإنسانية إلى شغل أرفع المناصب المرموقة في حكومة المدينة، ويمكن القول إن هذه العادة قد بدأت مع تعيين كولوتشيو سالوتاتي مستشارا عام 1375، ثم سرعان ما أصبحت القاعدة السائدة. خلال سنوات نشأة مكيافيللي، كان الشخص الذي يشغل منصب المستشار الأول هو بارتولوميو سكالا، الذي ظل يعمل أستاذا في الجامعة طوال حياته المهنية في المجال الحكومي، وظل يكتب عن موضوعات إنسانية معتادة، وكانت أهم أعماله أطروحة أخلاقية وسردا لأحداث «تاريخ الفلورنسيين». خلال عهد مكيافيللي نفسه في الهيئة الاستشارية الدبلوماسية، كان مارسيللو أدرياني، خليفة سكالا، مستمسكا على نحو يثير الإعجاب بالتقاليد نفسها؛ إذ كان هو أيضا قد انتقل من التدريس بالجامعة إلى منصب المستشار الأول، وظل هو الآخر ينشر أعمالا بحثية في مجال العلوم الإنسانية، بما في ذلك كتاب دراسي عن تدريس اللغة اللاتينية، وأطروحة بالعامية «عن تعليم أشراف فلورنسا».
إن ذيوع هذه المثل يساعدنا على معرفة السبب في تعيين مكيافيللي في سن مبكرة نسبيا في موقع كبير المسئولية في إدارة الجمهورية؛ فرغم أن أفراد أسرته لم يكونوا أغنياء أو أرستقراطيين إلى حد كبير، كانت لهم صلات وثيقة ببعض أرفع أوساط أساتذة العلوم الإنسانية شأنا في المدينة، وكان برناردو والد مكيافيللي، الذي كان يكسب عيشه من العمل محاميا، طالبا متحمسا للعلوم الإنسانية، وكان على علاقة وثيقة بعدة أساتذة مرموقين، منهم بارتولوميو سكالا، الذي اتخذت أطروحته الصادرة عام 1483 تحت عنوان «القوانين والأحكام القانونية» شكل حوار بينه وبين من وصفه بقوله «صاحبي وصديقي الحميم»، برناردو مكيافيللي. يضاف لذلك أنه كان واضحا من «يوميات » دونها برناردو بين عامي 1474 و1487 أنه طوال الفترة التي كان ابنه نيكولو يشب فيها عن الطوق، كان منخرطا في دراسة العديد من النصوص الكلاسيكية المهمة التي كان قد تأسس عليها مفهوم عصر النهضة عن «العلوم الإنسانية»؛ فقد كتب يقول إنه استعار «فيليبيات» شيشرون عام 1477، وأعظم أعماله الخطابية «الخطيب» عام 1480، واستعار أيضا «الواجبات» - وهي أهم أطروحات شيشرون الأخلاقية - عدة مرات خلال سبعينيات القرن الخامس عشر، بل إنه تمكن عام 1476 من الحصول على نسخته الخاصة من «تاريخ ليفي»، وهو نفس النص الذي سيشكل، بعد مرور أربعين عاما، إطارا للكتاب الذي ألفه ابنه بعنوان «المطارحات»، أطول أعمال مكيافيللي وأعلاها طموحا عن الفلسفة السياسية.
يتضح أيضا من «يوميات» برناردو أنه كان حريصا على أن يزود ابنه بأساس ممتاز في «الدراسات الإنسانية»،
1
على الرغم مما كان يتطلبه ذلك من نفقات باهظة، كان يسجل بنودها بقلق. تأتينا أولى أخبار تعليم مكيافيللي عقب عيد ميلاده السابع مباشرة، حينما كتب والده في يومياته يقول: «ابني الصغير نيكولو بدأ يذهب إلى الأستاذ ماتيو»؛ كي ينال المرحلة الأولى من تعليمه الرسمي؛ أي دراسة اللاتينية. وحينما بلغ مكيافيللي الثانية عشرة، تخرج من هذه المرحلة لينتقل إلى المرحلة الثانية، ليحظى بعناية مدرس شهير هو باولو دا رونشيليوني، الذي قام بالتدريس لعدد من ألمع أساتذة العلوم الإنسانية في جيل مكيافيللي. يذكر برناردو هذه الخطوة الإضافية في مذكراته التي بعنوان «يوميات» بتاريخ الخامس من نوفمبر عام 1481، عندما يعلن في فخر أن «نيكولو يستطيع الآن أن يكتب مؤلفات له باللغة اللاتينية»؛ عملا بالأسلوب القياسي الإنساني المتمثل في محاكاة أفضل نماذج الأسلوب الكلاسيكي. أخيرا، يبدو - إن كان لنا أن نثق بما رواه باولو جوفيو - أن مكيافيللي ابتعث لاستكمال تعليمه في جامعة فلورنسا. يذكر جوفيو في «المبادئ الأساسية» أن مكيافيللي «تلقى أفضل جزء» من تعليمه الكلاسيكي من مارسيلو أدرياني؛ وهو الشخص الذي - كما رأينا - كان يعمل أستاذا في الجامعة لعدد من السنوات قبل تعيينه في منصب المستشار الأول.
هذه الخلفية الإنسانية ربما تنطوي على السبب الذي يفسر حصول مكيافيللي فجأة على منصبه الحكومي في صيف عام 1498. كان أدرياني قد تولى منصب المستشار الأول في وقت سابق من نفس العام، ومن ثم يبدو من المعقول أن نفترض أنه تذكر ما كان يتمتع به مكيافيللي من مواهب في العلوم الإنسانية، فقرر أن يكافئه وهو يملأ المناصب التي باتت شاغرة في الهيئة الاستشارية الدبلوماسية نتيجة لتغير النظام الحاكم. وبالتالي، من المرجح أن الانطلاقة التي وجد مكيافيللي نفسه يشهدها في حياته المهنية العامة في الحكومة الجديدة المناهضة لسافونارولا، كانت بفضل محاباة أدرياني له، وربما أيضا بفضل نفوذ أصدقاء والده برناردو من أساتذة العلوم الإنسانية.
अज्ञात पृष्ठ