فقال الشيخ الذي عرفه أبو العلاء منذ سنين، في حضرة أبيه، موجها كلمته إلى شيخه: يا مولانا، إن الرجل كما سبق وقلت، يفوتنا في اعتقاده، ولولا يقيني هذا ما دعوتك من مصر لتقوم بدعوته وتسمع بأذنك وترى بعينك. لا بأس علينا إن فعلنا. سر به إلى المرتبة السابعة ولننجز عملنا الليلة. لا شك في أن «دار الحكمة» ستكون راضية عنا، ومولانا
صلى الله عليه وسلم
يكون مغبوطا ويبارك عملنا. نحن ندعو الآن «حجة» لا مستجيبا وسيكون لهذا الحجة أعظم شأن في تاريخ الدعوة.
فتوكل الداعي الأكبر على ربه وقال: اسمع، أيها الأخ، إن صاحب الدلالة والناصب للشريعة لا يستغني بنفسه. ولا بد له من صاحب معه يعبر عنه ليكون أحدهما الأصل، والآخر عنه كان وصدر، وهذا إنما هو إشارة العالم السفلي لما يحويه العالم العلوي؛ فإن مدبر العالم، في أصل الترتيب وقوام النظام، صدر عنه أول موجود بغير واسطة ولا سبب نشأ عنه، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، إشارة الى الأول في الرتبة. والآخر هو القدر الذي قال فيه:
إنا كل شيء خلقناه بقدر ، وهذا معنى ما نسمعه من أن الله أول ما خلق القلم فقال للقلم اكتب، فكتب في اللوح ما هو كائن.
فافتكر أبو العلاء هنيهة، وأخذ الداعي يحدق نظره إليه ليرى ما يكون من شأنه، فإذا بأبي العلاء يقول: وهذا أعرفه أيضا يا شيخي الجليل؛ فقد قال الفلاسفة: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد.
فصاح به الداعي: مد يدك لنتصافح، ونتابع؛ فأنت شيخي أيضا كما أنا شيخك، وهلم بنا إلى المرتبة الثامنة.
أما الشيخ الذي عرفه أبو العلاء منذ سنين فدمعت عيناه، وقال الداعي: إن تقدم مدبر الوجود على الصادر عنه إنما هو تقدم السابق على اللاحق، والعلة على المعلول، فكانت الأعيان كلها ناشئة وكائنة عن الصادر الثاني بترتيب معروف. ومع ذلك يا أحمد، فالسابق لا اسم له ولا صفة، ولا يعبر عنه ولا يقيد. لا يقال هو موجود ولا معدوم، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، وكذلك سائر الصفات، فالإثبات يقتضي الشركة بينه وبين المحدثات، والنفي يقتضي التعطيل. إنه ليس بقديم ولا محدث، بل القديم أمره وكلمته، والمحدث خلقه وفطرته.
واستطرد الداعي قائلا: إن «التالي» يدأب في أعماله حتى يلحق بمنزلة «الصامت» وإن «الصامت» في الأرض يدأب في أعماله حتى يصير بمنزلة الناطق وحاله سواء،
अज्ञात पृष्ठ