هذا هو الثالوث الذي يعني أبا العلاء؛ فهو يترك كل ما عداه هدرا. وظل أبو العلاء يملي ، بل تطور إملاؤه فأمسى كأنه يقرر مذهبا بعينه، بعدما كان يعلم طلابه آراء عامة.
كان فيما مضى هداما، وها هو يمسي بناء، يشيد صرح مذهبه علنا، ولا سيما بعدما سمعت كلمته ووهبه صالح بن مرداس المعرة، وأدى إلى «إخوانه» الذين يسميهم تارة المعاشر وحينا الجماعة وطورا القوم كما يقتضي الوزن، أصدق خدمة وأجلها، فأنقذهم من براثن أسد الدولة صالح بن مرداس، فعاشوا في ظل شيخهم المعري آمنين، وله عليهم إمرة مطاعة، إمرة لا يؤيدها سيف ولا يدعمها رمح، ولا تحوطها قوة، إمرة قائمة على أسس الدعوة القائمة على العقل والخير والصدق.
كانت إمرة أبي العلاء على المعرة كالإمارات المثالية التي صبا إليها الفلاسفة فنعم بال الإمام وقال في ذلك:
نجى المعاشر من براثن صالح
رب يفرج كل أمر معضل
ما كان لي فيه جناح بعوضة
الله ألبسهم جناح تفضل
ولكن الصيت الذي انتشر، وهذا الجاه الطويل العريض، وهذا الخير الذي نتج عن خروج أبي العلاء إلى صالح لم يرض أبا العلاء.
لقي الإمام من صالح احتفاء عظيما؛ فالتاريخ يروي أنه قيل لصالح وهو محاصر المعرة: إن باب المدينة قد فتح، وخرج منه أعمى يقوده إنسان.
فقال صالح: هو أبو العلاء، فدعوا القتال لننظر ماذا يريد.
अज्ञात पृष्ठ