अरबों की अंडालुस में लड़ाईयाँ
معارك العرب في الأندلس
शैलियों
على أن سقوط بلنسية في أيدي المرابطين لا يعد خسارة للنونيين وحدهم، بل هو خسارة لألفنس السادس أيضا، وبالتالي، خسارة كبيرة للفارس الإسباني، السيد رذريق (Rodrigue le Cid) ؛ فقد كان ملك قشتالة يعتبر بلنسية إمارة تابعة له، ولا ينظر بارتياح إلى تقدم الإفريقيين في الأواسط الشرقية من الأندلس؛ حيث ينبسط نفوذه، وقد رأيناه يبادر إلى نجدة المعتمد بن عباد لكي يستوقف زحف المرابطين، ويقضي على حركاتهم في الجنوب قبل أن تتسع وتنتشر، فلم ينجح في مسعاته فاضطر جيشه إلى التقهقر عن قرطبة مدحورا، وراحت العساكر الصحراوية توغل في الجانب الشرقي، ناهضة من مدينة إلى مدينة حتى استولت على أكثر القواعد الحصينة ، هازمة أمامها القوى الأندلسية وأعوانها الإسبانيين، ومن بينهم الكونت رذريق وفرسانه الأشداء.
وكان هذا الفارس لا يقل حماسة عن أميره ألفنس في مقاومة المرابطين ومصابرتهم، ولا يقل عنه غضبا لسقوط الولايات الشرقية؛ لما له من النفوذ فيها، ولا سيما بلنسية التي بسط عليها سيادته وجعلها محط آماله ومدار مطامعه، سواء أرضي مليكه أم سخط؛ فإنه من أولئك الأبطال المغامرين الذين يتعشقون الشهرة، ولا ينكصون عن طلبها مهما يقم دونها من الأهوال، وقد كان ألفنس ناقما عليه حتى إنه نفاه عن قشتالة، وأزال ما به من نعمة سابقة.
فما زاده النفي والاضطهاد إلا عزما وإقداما، فبنى مجده بذكائه وحد سيفه على كره من العاهل القشتالي، وباءت بالخيبة كل محاولة قام بها ألفنس لخذلانه وإخراج بلنسية من يده، وجدير بنا أن نلم بطرف من حياة السيد وأخلاقه قبل أن نتحدث عن مواقعه في بلنسية مع المرابطين؛ لتنجلي للقراء تلك الشخصية التي بلغت من سيرورة الذكر ما لم يبلغه ألفنس السادس نفسه؛ فقد تغنى ببطولتها الشعراء والمنشدون، ونسجت حولها الروايات والأساطير، فكانت غذاء للأدب الإسباني في القرون الوسطى، وغذاء من بعده للشاعر الفرنسي كورناي في مسرحيته الخالدة «السيد».
هذا الفارس القشتالي يمثل فروسية عصره أصدق تمثيل بفضائلها وعيوبها، أوتي من القوة البدنية والشجاعة والإقدام واستهانة بالموت ما يصح أن توسم به عصور البطولة، وساعده ذكاؤه وقوة إرادته على التبصر في الأمور وتصريفها، والنظر في عواقبها.
كانت فروسيته تقترن بالتدين وحرارة الإيمان، يصوم ويصلي، ويعنى بالحفلات الدينية، ويقدم الهدايا للكنائس والأديرة، فهو على خلاف ما تصوره المستشرق دوزي؛ إذ جعله لا دين له ولا شرع؛ فإن روح الدين كانت أكبر محرك لنفوس الفرسان في عصره؛ بسبب الحروب الصليبية التي امتدت من الغرب إلى الشرق، ولعل دوزي نفى عنه العقيدة المسيحية لكثرة ما اقترف من الجرائم والفظائع التي يستنكرها الدين وينهى عنها، أو لعله يرمي إلى تقلبه في السياسة الوطنية، فحينا يحارب المسلمين مجاهدا، وحينا يضع سيفه في خدمتهم لينصرهم على المسيحيين، وفي كلا الحالين لو عاد المستشرق بالسيد إلى عصره لما وجده غريبا عنه؛ فإحراق القاضي ابن جحاف حيا، والتمثيل بالأسرى أو إلقاؤهم إلى الكلاب الضارية، كلها أعمال وحشية بحد ذاتها، تنفر منها النفس الإنسانية في صفائها.
إلا أن رذريق لم ينفرد بها عن غيره، فإنما هي من عيوب فروسية العصر، وتاريخ الأندلس حافل بأمثالها وبأبشع منها، وتقترن على الغالب بأحوال خاصة؛ كدافع الانتقام، أو الحاجة إلى الإرهاب، ولا يصح في ما عدا ذلك أن تجرد السيد من الشعور الإنساني والعاطفة المهذبة تجريدا تاما، وفي أخباره ما لا يسمح لنا بهذا الحكم الجازم، كخبره مع المرأة النفساء، ذكره لويس برتران في كتابه «تاريخ إسبانية»، وهو أن السيد عندما نفاه الملك سار بفرسانه وخدمه هائما بين قشتالة وسرقسطة، فذات يوم أمر بأن تقوض الخيام للرحيل، فما كادت تطوى وتحمل حتى سمع بعض رجاله يقولون إن زوجة طاهيه قد وضعت في تلك الساعة. فسألهم حالا: كم تلزم سيدات قشتالة السرير عادة بعد الولادة؟ فأعلموه، فقال: إذن نبقى هنا طول هذه المدة، فلتنصب الخيام.
وبقي السيد في مكانه لا يتحرك منه حتى نهضت زوجة الطاهي من فراشها، مع أن الخطر كان محدقا به لانتشار الأعداء وتسربهم في تلك الأصقاع.
وكذلك تقلبه في السياسة الوطنية لم يكن غريبا في نوعه عندهم؛ فإن تاريخ إسبانية يحدثنا عن كثير من الفرسان المسيحيين والمسلمين كانوا يفعلون فعله، مدفوعين بحب المال والشهرة، أو شهوة الانتقام، أو روح المغامرات، إلى محاربة أبناء ملتهم في صفوف أعدائهم، والكونت رذريق فيه جشع كبير إلى المال والشهرة، وكانت شهوة الانتقام تحفزه إلى طلب المعالي، بعدما فقد حظوته عند ألفنس وأبعد عن بلده.
وهو إلى ذلك لا تنقصه روح المغامرات، وإسبانية يومئذ في حالتها السياسية المضطربة، وما يهددها من الخطر الشامل لتصارم ولاياتها، وتباغض حكامها، تفرض على الأمراء المسلمين والمسيحيين أن يجتمعوا في مواطن مختلفة، متحالفين مع ما بينهم من حروب أزلية وعداء قديم، على ما في هذا التحالف من تكافؤ أو غير تكافؤ، كما حالفت بلنسية وسرقسطة قشتالة، وكانتا في الوقت نفسه تؤديان لها الجزية، وتعتمدان على مساعدتها إذا نزل بها عدو مغير، فغير عجيب أن يقاتل السيد في صفوف حلفاء قومه - وإن كان العدو الذي يقاتله من المسيحيين - أو أن يقاتل في غير صفوف حلفائه وهو حاقد على أميره، مغامر باسل يطمح إلى المجد ويطمع في المال، ولديه جيش خليط من المرتزقة، لا يقوم على المسيحيين وحدهم، بل فيه عدد عظيم من الفرسان المسلمين، وإذا عدنا إلى أخباره أول حياته نجده - مع حبه للمال وسعيه إلى جمعه - لا يجرد حسامه إلا في سبيل أميره.
ولد هذا الفارس في قرية فيفار (Vivar) ، على مقربة من برغش (Burgos)
अज्ञात पृष्ठ