إلَى بَدْرٍ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصِيبَ مَعَك فَقَالَ: أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، ثُمَّ لَحِقَهُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ شُجَاعًا فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، ثُمَّ لَحِقَهُ الثَّالِثَةَ فَأَسْلَمَ هَذَا، وَقَدْ خَرَجَ لِيُقَاتِلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيُرَاقَ دَمُهُ» .
وَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، وَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، وَاسْتَأْذَنَ لِكَاتِبِهِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ، وَرَآهُ فَقَالَ قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُوسَى، وَلَّيْت نَصْرَانِيًّا عَلَى الْمَالِ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ ﷾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥١]، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ، وَلَهُ دِينُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُكْرِمُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُعِزُّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُدْنِيهِمْ بَعْدَ أَنْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ أَنَّهُ اتَّخَذَ كَاتِبًا يُقَالُ لَهُ: حَسَّانُ بَلَغَنِي أَنَّك اسْتَعْمَلَتْ حَسَّانَ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١] . وَقَالَ تَعَالَى ﴿لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٥٧]، وَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَادْعُ حَسَّانَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ مِنَّا، وَنَحْنُ مِنْهُ، وَإِنْ أَبَى فَلَا تَسْتَعِنْ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ قَرَأَهُ عَلَى حَسَّانَ فَأَسْلَمَ، وَعَلَّمَهُ الطَّهَارَةَ، وَالصَّلَاةَ
، وَهَذَا أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْكَافِرِ فَكَيْفَ اسْتِعْمَالُهُمْ عَلَى رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ.
1 / 39