كان طه يقدر تعلق المصريين وغيرهم به حق قدره. أما الخصوم الذين لم تكن عزيمتهم تفتر فقد كان لا يهتم بأمرهم، ولم يرد قط تقريبا على ما وجه له من شتائم شخصية.
ولقد بدا لي يوم 31 أكتوبر 1973، عندما أقيم له مأتم مهيب في الجامعة للمرة الأولى في تاريخها أنه لم يكن هناك أعداء له. كنا نشارك في ثناء جماعي متعاظم، ويكاد المرء أن يقول إن خمسين عاما من حياة مصر كانت تستعاد في الذكريات وفي القلوب. كان ذلك مثيرا لا سيما أن الصمت كان مطلقا؛ ففي القاعة الكبرى المكتظة، لم نكن نسمع حتى خطوات الناس الذين كانوا يدخلون.
وفي الخارج كتبت على اللافتة التي مدت فوق النعش هذه السطور التي كتبها توفيق الحكيم:
لم يرد أن يترك روحه تغادر الحياة قبل أن يغادر اليأس روح وطنه.
158
وقبل عشرين عاما من ذلك كتبت لأمي:
إننا نصنع على كل حال، فيما وراء مشاغلنا اليومية، أشياء ستبقى ولن يستطيع أحد فيما أظن أن يقوضها.
يمنعني الحياء من وصف ما كانت عليه احتفالات الذكرى التي تتابعت، منذ احتفال جمعية الشبان المسيحيين
159
البسيط والمؤثر حتى الأيام المذهلة من 26 إلى 28 فبراير 1975، وفي المقدمة من كل ما كان يقال، كانت هناك كلمتان تتكرران بلا توقف: «شكرا، شكرا يا طه حسين.» كان ذكر هذا الاسم بلا كلل يبدو لي وكأنه خفقان قلبي المضطرب نفسه، ذلك القلب الذي كان يخفق بشدة، مستعدا للتوقف.
अज्ञात पृष्ठ