119
كان بدينا إلى درجة كانوا يزعمون معها أنه يحتاج إلى أبواب خاصة لعربته كي يتمكن من ركوبها. وكانت مائدته في قاعة الطعام بالقرب من مائدتنا؛ فعندما كان ينهي وجبته، كان يطلب أحيانا إلى كامل أن يساعده على النهوض من مقعده. كان ثقيل الوزن بطبيعة الحال، ولم يكن كامل نحيفا كما أنه لم يكن كبير السن، ومع ذلك فقد كانت العملية صعبة! ولا أستطيع أن أؤكد إذا كان كامل قد سقط على الأرض في أثناء ذلك، إلا أنه كان علينا على كل حال أن نهرع لمساعدتهما.
كان الباشا يتحدث مع طه بصورة عفوية، وقد قال له ذات مرة: «هل تعلم أنني مت؟ (كان قد أصيب بغيبوبة نتيجة مرض السكر)، حسنا! أستطيع أن أؤكد لك ذلك. بعد الموت لم يعد ثمة شيء أحس به؛ أي شيء.»
كان طه يرى بلا عينين. فقد أذهلنا بتصريح مفاجئ حين كنا في فندق جبلي وكان الراديو يذيع برنامجا عن مطرب شرقي لم يكن يحب صوته؛ إذ هتف: «على كل حال لا بد لهذا الرجل من أن يكون بدينا وأصلع!» وعندما رأينا صورة هذا المطرب على مغلف إحدى أسطوانات أغنياته، تأكد لنا أن ما قاله طه كان صحيحا كل الصحة!
لم نعد إلى مصر، في السنة التي جرت فيها معركة العلمين، إلا في أكتوبر،
120
عندما لم تعد مهددة بالغزو. كان كل شيء مغلقا فيما عدا فندق صوفر، الذي بقينا فيه أسبوعا.
كنا نرتاح في لبنان، لكن أحدا منا لم يكن يسعه أن ينسى هموم المعارك. زرنا «بيت الدين»، المقر القديم للأمير بشير.
121
وهناك أيضا فكرنا في لامارتين. ربما كان في حديقة القصر أشجار صنوبر لكن فيها على وجه الخصوص أشجار الكستناء؛ إذ عندما وجدتني فجأة أمام هذه الأشجار، مأخوذة برائحة أوراقها، فقد فعلت كما فعلت أمام أشجار الليلك في حلب: بكيت، وتمثلت حديقة اللوكسمبورج أمام عيني وفي قلبي، فقد كانت باريس تحت نير الاحتلال.
अज्ञात पृष्ठ