زينا ويجان
برونو رونفار
مقدمة
أمينة طه حسين (أوكادا)
يوم 26 يوليو 1989 توفيت بالقاهرة سوزان طه حسين عن عمر ناهز أربعة وتسعين عاما، بعد حياة طويلة غنية - قضت منها خمسة وسبعين عاما في مصر. يذكر أبي، مؤنس كلود طه حسين، بكلمات مؤثرة في مذكراته، موت أمه:
لم تكن أمي تولي أية أهمية للجسد، «هذه الخرقة»، وكان لا يهمها أن يكون قبرها في هذا المكان أو ذاك من الأرض.
كنت مع ذلك قد قمت بزيارة رهبان كنيسة سان جوزيف، الحرم الكاثوليكي الرئيس بالقاهرة، واتفقنا أن ترقد أمي فيما كان يسمى المقبرة اللاتينية بالقاهرة القديمة. رافقناها إلى هناك ذات صباح حار في شهر يوليو (...) ترأس كاهن لم أكن أعرفه القداس - قداسا شديد البساطة - كانت ستحبه كما أظن. وخلال هذا الفرض الديني الوجيز، سيطر علي التأثر على نحو مفاجئ، كما لو أنه موجة تغمرني. وفي لمح البرق، استعدت ثانية حياة سوزان: كنا ندفن بالقاهرة، تحت وطأة حرارة الصيف المصري المرهقة، فرنسية ولدت قبل خمسة وتسعين عاما بمنطقة الكوت دور، وعاشت كل حياتها تقريبا في بلد أجنبي، عربي ومسلم، وكانت الرفيقة الرائعة خلال أكثر من ستين عاما لمصري أعمى صار أكبر كاتب عربي في القرن العشرين، اشتهر في بلده بسبب كل ما حققه في مجال التعليم والعلوم والثقافة، وأنشأ الجامعات والمعاهد العلمية عبر العالم، وكرم في الشرق مثلما كرم في الغرب. كانت على الدوام إلى جانبه، راعية، مخلصة، محبة. كانت قد واسته وشجعته حين كانت الأمور تسوء (ويعلم الله كم كانت تسوء!) وشاركته بكل تواضع نجاحاته وانتصاراته. كانت قد ساعدته على التغلب على عاهته، على أن يصير ما كانه، على أن يتناول الطعام على موائد الملوك، على أن يتلقى ضروب الثناء والتكريم في أوروبا، وفي الشرق، وفي كل مكان. كانت حاضرة دوما حين كان بحاجة إليها، وقد قال هو نفسه إنه لولا زوجته لما كان شيئا.
1
كانت هذه المرأة التي عرفت مصيرا غير عادي، والتي كرست وجودها كله لزوجها، قد شرعت، بعد زمن قصير من رحيل هذا الأخير عام 1973، في تحرير كتاب من أجل ذكراه. يروي مؤنس طه حسين في «ذكرياتي» مولد هذا الكتاب الذي بدئ به في الوقت الذي كانت مؤلفته قد بلغت من العمر ثمانين عاما:
في العمر الذي أبلغه اليوم إذن؛ أي في التاسعة والسبعين عاما، إنما قررت أمي أن تكتب ذكرياتها؛ استجابة منها إلى إلحاح أصدقائها والمعجبين بأبي. نتج عن ذلك مؤلف كبير يقارب الثلاثمائة صفحة، كتبته بالفرنسية بالطبع وعنونته «معك». حتى ذلك الحين لم يكن ثمة ما هو خارق؛ فقد سبق لكثيرات من أرامل الرجال المشهورين أن فعلن مثلما فعلت سوزان.
अज्ञात पृष्ठ