ومن الطبيعي أن ما سمي تعيينا يتعفن في دوائر الوزارات واللجان، ويرغمه صديق على الذهاب لمقابلة وكيل الوزارة. كان في المكتب أجنبي، فقدم إليه طه بوصفه عالما مشهورا باللغات العديدة التي افترض فيه معرفتها والتي لا يعرفها، ولا يعرفها كذلك الآخر. تلك هي نتيجة الزيارة الوحيدة، مع لقاء محبب؛ فقد وصل لطفي في اللحظة التي كان فيها الشخص الأجنبي على وشك الذهاب.
قمنا بالسقرطة حول أشياء يجهلها كلانا، وكنا نتحدث عنها بوصفنا علماء! ماذا أقول؟ بل بوصفنا مختصين! عن العلاقات القائمة أو غير القائمة بين اللغة الهيروجليفية واللغات السامية القديمة. وأقسم لك أننا لم نقل سوى حماقات.
كان «الأصدقاء» الذين فرضوا أنفسهم على طه كريهين، مزعجين، ومتطفلين بشكل غير عادي، فقد كانوا يستمعون إليه وهو يملي ما يكتب لي، ويستمعون إلى ما أكتب إليه. كان متعبا وساخطا بحيث انتهى إلى القبول بالذهاب إلى الإسكندرية لبعض الوقت. «شيء واحد يحزنني، وهو أنني سأترك البيت. هناك حيث تقوم كل سعادتي. حيث فيه أنت، لكني كنت فيه منفيا أصلا.»
ويعدني، وهو يفكر بالبيت، وعودا حاسمة، لن يتمكن من تحقيقها، بالحفاظ على حرمة حياتنا الخاصة عند عودتي - سوف نقلل من الزيارات المباغتة، المزعجة، العقيمة في أغلب الأحيان بحيث يستطيع الانصراف إلى العمل - وسيعمل على كل حال بمعجزة، لكننا لم نستطع إطلاقا أن نملك حياتنا الخاصة كما كنا نرغب.
ويطلب إلى الجامعة ثلاثة أشهر، ويقيم في الإسكندرية في الفندق العائلي «متروبول» هواء البحر ينعشه من جديد، وسيذهب مع سكرتيره ألبير للجلوس على رصيف مقهى «التريانون» ويقرأ «الكشكول»
75
وأول عدد من «مصر الجديدة»
76
التي صدرت مؤخرا. وفي المساء يسر بتسلم رسالة من الزناتي؛ فهو رفيق وشيخ يجهل كل شيء عن الغرب، لكنه أبدى لطه، في أثناء غيابي بوجه خاص، وفاء مطلقا. يقول الزناتي في رسالته إنه يعلم جيدا ما الذي أتى بطه إلى الإسكندرية: لقد جاء يتنفس مباشرة الهواء القادم من فرنسا! أولئك هم الناس الذين ساعدوا طه على أن يعيش وحيدا، ولم أنس ذلك، كما أن طه لم ينس ذلك أيضا، وهو الذي كان يكتب لي: «ها هو ذا الزناتي الذي لا يتركني في أي مساء؛ إنه يتحدث غالبا عنك وعن الطفلين بحب، وأبوه يسأل عن أخباركم ويدعو لكم.»
وبعد عدة أيام:
अज्ञात पृष्ठ