لم نكن آنذاك قد التقينا به قط.
في بلدة صغيرة في «أوفيرني
Auvergne » تسمى «فيك سور سير
Vic-sur-Cère »، شعرنا بالهموم الأولى للحرب، وكان ذلك في عام 1939. كان على طه أن يتحدث من الراديو الفرنسي في 31 أغسطس 1939، وكنا قد طلبنا فيما إذا كان يمكننا الحضور إلى باريس، غير أننا تلقينا برقية رسمية تفيد إلغاء البرنامج. ذلك أن ألمانيا كانت قد اجتاحت بولونيا،
186
وأعلنت التعبئة العامة في فرنسا.
وكنا نبحث عن وسيلة نعود بها. لم يكن ثمة بواخر، وكنا في العاشر من سبتمبر ننوي العودة بقطار الشرق السريع الذي عاد للعمل منذ يومين، والمرور بسورية وفلسطين. لكن مصاعب كثيرة كانت تقوم في وجه هذه المحاولة وأولها أننا لم نكن نملك ما يكفي من المال؛ فالمصارف لم تكن تستجيب إلى طلبات زبائنها، فاضطررنا أخيرا للتخلي عن هذا المشروع. غير أننا تأثرنا من عرض صاحبة الفندق تسليفنا مبلغا من المال؛ إذ كيف كان بوسعنا أن نرد لها هذا المبلغ؟ وأخيرا علمنا أن الباخرة المصرية «النيل» على وشك مغادرة مرسيليا في قافلة مخفورة. وقد قبل سائق سيارة تاكسي أن يحملنا إلى القطار الذي سيسمح لنا بالوصول إلى مرسيليا. وعبرنا وفي وسط الليل وبأقصى سرعة غابات «سيفين
Cévennes » و«فيلي
Velay » الرائعة، حاملين في قلوبنا المثقلة آخر نظرة لأرض فرنسا تقريبا. وكان علينا أن ننتظر في مرسيليا عشرة أيام، على ظهر مركب كان ينتظر بين اللحظة والأخرى الأمر بالإقلاع. كانت الباخرة مزدحمة بالطبع، وكنا ننام في كل مكان - في قاعات الطعام أو في الدهاليز - وانتهوا إلى إعطائنا الغرف التي قيل إنها مخصصة للملك، وكان ذلك تكريما منهم لطه. ولقد أذهلني هذا الأمر بقدر ما سرني لا سيما وأننا استطعنا استضافة زوجين بلجيكيين: «آل سيرفي
Les Servais »
अज्ञात पृष्ठ