بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي جعل الْعقل مِفْتَاح الْعُلُوم ومدرك مَعَاني الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم ومنشأ بَيَان الْمُحَقق والموهوم ومظهر بديع المنثور والمنظوم
أَحْمَده حمد من بجزيل نعمه اعْترف وأشكره شكر من ورد مناهل فَضله واغترف وَأشْهد أَنه الرب الرَّحْمَن الَّذِي خلق الْإِنْسَان وَعلمه الْبَيَان وَأشْهد أَن سيدنَا ومولانا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وحبيبه وخليله الَّذِي تلخص الدّين بإرشاده أحسن تَلْخِيص وتخلص مُتبع هَدْيه من الْجَحِيم أعظم تَخْلِيص فَكَانَت بعثته مِفْتَاح بَاب الْخيرَات وَالطَّرِيق الْموصل إِلَى مَنْهَج المبرات ﷺ وعَلى آله الْكِرَام وَصَحبه الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مَا أغرب مبتدئ ببديع النظام وأعجب منته بِحسن الختام وَبعد فَإِن الْفَقِير الحقير الْمُعْتَرف بِالْعَجزِ وَالتَّقْصِير نطر الله إِلَيْهِ بِعَين الْعَفو والغفران وَرَضي عَنهُ أتم الرضْوَان لما كَانَ متحليًا بحلية الْعلمَاء مستشعرًا شعار الْفُضَلَاء وَبرد الشبيبة قشيب وغصن الصِّبَا رطيب ومربع الْأَمَانِي خصيب والسعادة تلحظه عيونها وتتوارد عَلَيْهِ أبكارها وعونها لم يزل فِي خدمَة الْعلم وتأليفه وترتيبه وتصنيفه بِقدر مَا يصل إِلَيْهِ
1 / 1
علمه الْقَاصِر وَحسب مَا ينفذ فِيهِ فهمه الفاتر وَكَانَ من جملَة مَا حفظه من الْمُتُون وعلق بخاطره من الْفُنُون كتاب تَلْخِيص الْمِفْتَاح الَّذِي هُوَ فِي بَابه رَاحَة الْأَرْوَاح تغمد الله مُؤَلفه برحمته ورضوانه وَأَسْكَنَهُ بحابح جنانه وَفِيه من الشواهد الشعرية مَا يعزى للأقدمين وَمَا ينْسب للمولدين إِلَّا أَن أَكْثَرهَا مَجْهُول الْأَنْسَاب مغفول الأحساب وَرُبمَا عزاهُ بعض شارحي الْكتاب لغير قائليه وَنسبه إِلَى غير أَبِيه إِمَّا لاشتباه فِي الأوزان أَو تماثل فِي المعان وَلم أر من عمل على تِلْكَ الشواهد شرحًا يشفي العليل أَو يروي الغليل غير أَن شَيخنَا المرحوم الْعَلامَة الْجلَال السُّيُوطِيّ سقى الله من صوب الرَّحْمَة ثراه وَأكْرم منزله ومثواه عمل على بَعْضهَا تَعْلِيقا لطيفًا لم يكمله وَلم يخرج عَن مسودته وَكَثِيرًا مَا كَانَت نَفسِي تنازعني للتصدي لذَلِك وَأَقُول لَهَا لست هُنَالك وأعللها بالمواعيد وَهِي تقرب إِلَى الْبعيد وتسول لي أَنه أقرب إِلَيّ من حَبل الوريد فيقوي الْعَزْم وَيسْتَعْمل الْجَزْم ويهمل الْأَخْذ بالحزم إِلَى أَن آن أَوَانه وحان إبانه فشمرت عَن ساعد الِاجْتِهَاد واستعملت الْجد فِي تَحْصِيل ذَلِك المُرَاد وسلكت فِيهِ مَنْهَج الِاخْتِصَار ومدرج الِاقْتِصَار ونصيت على أبحر تِلْكَ الشواهد العروضية وَوضعت فِي كل شَاهد مِنْهَا مَا يُنَاسِبه من نَظَائِره الأدبية وَذكرت تَرْجَمَة قَائِله إِلَّا مَا لم أطلع عَلَيْهِ بعد
1 / 2
التفتيش فِي كتب الْأَدَب والتحري وَالِاسْتِقْصَاء فِي الطّلب ومزجت فِيهِ الْجد بِالْهَزْلِ والحزن بالسهل
وسميته ب معاهد التَّنْصِيص على شَوَاهِد التَّلْخِيص
فجَاء بِحَمْد الله غَرِيب الابتداع عَجِيب الاختراع بديع التَّرْتِيب رائع التَّرْكِيب مُفردا فِي فن الْأَدَب كَفِيلا لمن تَأمله بالعجب وَهُوَ وَإِن كَانَ من جنس الفضول الَّذِي رُبمَا يستمل أَو هُوَ بقول الحسود دَاخل فِي قسم المهمل فَهُوَ أُمْنِية كَانَ الخاطر يتمناها وحاجةٌ فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا على أَنه لَا يَخْلُو من فَائِدَة فريدة ونكتة عَن مواطنها شريدة ودرة مستخرجة من قاع البحور وشذرة تزين بهَا قلائد النحور وعجائب تحل لَهَا الحبا وغرائب يَقُول لَهَا الْعقل السَّلِيم مرْحَبًا مرْحَبًا وَلَئِن خالط هَذَا القَوْل هوى النَّفس أَو ظن المغالاة بِهِ صَادِق الحدس
(فالمرْءُ مَفتونٌ بِتأليفهِ ... ونَفسهُ فِي مَدْحهِ غَاويهْ)
(وَالفضلُ مِنْ ناظره أَن يَرى ... مَا قد حَوى بالمقلةِ الراضيهْ)
(وَإِنْ يَجدْ عيَبًا يَكن ساترًا ... عَوارهُ بالمنَّةِ الْوافيهْ)
وَمن تَأمله بِعَين الْإِنْصَاف والرضى شهد بِصدق هَذَا الْوَصْف وبصحته قضى
وَحين سهل الله الْوُصُول ثَانِيًا إِلَى الممالك الرومية لَا زَالَت من المكاره محمية استوطن مِنْهَا قسطنطينة الْعُظْمَى لَا زَالَت من الله وقاية وَحمى
1 / 3
إِذْ هِيَ مَحل الْكَرم وموطن النعم ومحط الرّحال ومنتهى الآمال ومشرق السَّعَادَة وأفق السِّيَادَة وموسم الأدباء وحلبة الخطباء وَدَار الْإِسْلَام ومقر الْعلمَاء الْأَعْلَام وتخت الْملك الْمُعظم الشَّأْن وَمحل الدولة وَالسُّلْطَان لَا زَالَت دَار الْإِسْلَام وَالْإِيمَان ومستقر الْأَمْن والأمان مَا تعاقب الملوان بدوام حَيَاة سُلْطَان الْعَالم وَخير مُلُوك بني آدم سُلَيْمَان الزَّمَان وخاقان الْعَصْر والأوان ومفخر آل عُثْمَان لَا بَرحت دولته مخلدة خُلُود الْأَبْرَار فِي دَار الْقَرار وسعادته مُؤَبّدَة مسلسلة الأدوار مَا دَار الْفلك الْمدَار بتعاقب اللَّيْل وَالنَّهَار
وَكَانَ من أعظم خبايا السعد وعطايا الْجد أَن شملته الْعِنَايَة وحفته الرِّعَايَة بِنَظَر فَرد الدَّهْر وَوَاحِد الْعَصْر وَبكر عُطَارِد ونادرة الْفلك وتاريخ الْمجد وغرة الزَّمَان وينبوع الْخَيْر وَالْإِحْسَان الْعَالم الْعَلامَة والحبر الْبَحْر الفهامة جَامع أشتات المفاخر والمتفرد بغايات المآثر سيدنَا ومولانا سعدى قَاضِي الْقُضَاة بتخت الْملك قسطنطينية الْعُظْمَى فَهُوَ مولى تنخفض همم الْأَقْوَال عَن بُلُوغ أدنى فضائله ومعاليه ويقتصر جهد الْوَصْف عَن أيسر فواضله ومساعيه حَضرته مطلع الْجُود ومقصد الْوُفُود وقبلة الآمال ومحط الرّحال وَمجمع الأدباء وحلبة الشُّعَرَاء ذُو همة مَقْصُورَة على مجد يشيده وإنعام يجدده وفاضل يصطنعه وخامل وَضعه الدَّهْر فيرفعه فاق الأقران وساد الْأَعْيَان فَلَا يدانيه مدان وَلَو كَانَ من بني عبد المدان وَلَيْسَ يجاريه فِي مضمار جود جواد وَلَا يباريه فِي ارتياد السِّيَادَة مرتاد
1 / 4
(مَا كل من طلب الْمَعَالِي نافدا ... فِيهَا وَلَا كل الرِّجال فُحولا) لَا زَالَت آي مجده بألسن الأقلام متلوة وأبكار الأفكار بمديح معاليه مجلوة
وَحين أَنَاخَ مطايا قَصده بأفناء سعده صَادف مولى حفيًا وظلا ضفيا ومرتعا رحيبًا ومربعًا خصيبًا وبشاشة وَجه تسر الْقُلُوب وطلاقة محيًا تفرج الكروب وَتغْفر للدهر مَا جناه من الذُّنُوب مَعَ مَا يُضَاف لذَلِك من منظر وسيم ومخبر كريم وخلائق رقت وراقت وطرائف علت وفاقت وفضائل ضفت مدارعها وشمائل صفت مشارعها وسودد تثنى بِهِ عُقُود الخناصر وتثنى عَلَيْهِ طيب العناصر فَحَمدَ من صباح قَصده السرى وَعلم أَن كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا
(إِن الكَريمَ إِذا قَصدتَ جَنابه ... تلَقاه طَلقَ الوَجِهِ رَحبَ المنزلِ)
وَهَا هُوَ فِي ظلّ عزه رخي البال متميز الْحَال آمن من صرفان الدَّهْر وحدثان الْقَهْر يرتع فِي رياض فَضله ويجرع من طل جوده ووبله قد عجز عَن الشُّكْر لِسَانه وكل عَن رقم الْحَمد بنانه لم يفقد من مُغنِي رأفته ظلالًا وَلم يقل لصيدح آماله انتجعي بِلَالًا وَبِه حقق قَول الْقَائِل من الْأَوَائِل
(ولمَا انْتجعنَا لائذينَ بظلهِ ... أعانَ وَمَا عَنَّي ومَنَّ وَمَا منَّا)
(ورَدَنَا عَليهِ مُقترِينَ فَراشنَا ... وردنانداه مُجدبينَ فأخصبنَا)
1 / 5
وَجُمْلَة مَا يَقُوله فِي الْعَجز عَن حَمده وشكره وَالثنَاء على جوده وبره
(أما وَجميل الصُّنعَ منِه وإنّها ... ألِيَّةُ برٍ مِثلها لَا يِكفّرُ)
(لَو اسْطعتُ حَوَّلتُ البريةَ ألسْنًا ... وكنْتُ بهَا أُثني عَلَيْهِ وأشكرُ)
(ولَسْتُ أوفيِّ حَقِّ ذاكَ وإنّما ... قيَاما بِحَق الشُّكرِ جَهدِي أُشمِّرُ)
وَكَانَ من جملَة دواعي السعد وبواعث الْجد أَن شَمل هَذَا التَّأْلِيف نظره الشريف حِين وصل إِلَى حَضْرَة مجده المنيف فأظهر بِهِ إعجابًا رفع من مقَامه وَنصب فَوق متن المجرة خوافق أَعْلَامه جَريا على عَادَته النفيسة فِي جبر الْقُلُوب وَستر الْعُيُوب فحين طرق السّمع خبر استحسانه لذَلِك الْجمع أحب الْفَقِير أَن يخْدم حَضرته الْعلية وسدته السّنيَّة بنسخة مِنْهُ لتَكون مذكرة بِحَال الْفَقِير مَا دَامَ فِي قيد الْحَيَاة وسببًا باعثًا على الترحم عَلَيْهِ بعد الْمَمَات وعساه يكون وَسِيلَة للانتظام فِي سلكه وذريعة إِلَى الانحياز إِلَى ملكه وَإِلَّا فَهُوَ أقل من أَن يشاع ذكره أَو يشاد قصره وَكَيف يهدي الوشل إِلَى الْبَحْر أَو الطل إِلَى الْقطر غير أَن هواجس الْفِكر وخواطر الأمل متمسكة فِي قبُوله بأذيال عَسى وَلَعَلَّ وَالَّذِي يُقَوي فِي الظَّن بشيمه الزاكية تلقيه بالبشر ولمحة بالمقلة الراضية وَهُوَ يَرْجُو أَن يهب عَلَيْهِ نسيم قبُول الْقُلُوب ويؤمل أَن يسبل ستر الْعَفو عَمَّا فِيهِ من الْعُيُوب وَهَا هُوَ يرفع أكف التضرع والابتهال إِلَى ذِي العظمة والجلال أَن يبلغهُ من ذَلِك أقْصَى غَايَة الآمال بمنه ويمنه
1 / 6
شَوَاهِد الْمُقدمَة
1 / 7
١ - (غَدَا ثره مستشرزات إِلى العُلاَ ...)
قَائِله امْرُؤ الْقَيْس وَتَمَامه
(تَضلُ العِقاصُ فِي مِثنىُّ ومُرسِل ...)
وَهُوَ من الْبَحْر الطَّوِيل من القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي هِيَ إِحْدَى المعلقات السَّبع وأولها
(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بَين الدَّخُولِ فحَوملِ)
(فَتوضحَ فالمقراةِ لم يَعفِ رَسمها ... لما نَسجتها من جنوب وشمأل)
(وقوفا بهَا صحبي على مطيهم ... يَقُولُونَ لَا تهْلك أسى وتجمَّلِ)
(وبَيضَةِ خِدرٍ لَا يرامُ خِباؤها ... تمتعتُ مِنْ لَهو بهَا غيرَ مُعجلِ)
(تجاوزتُ أحْراسًا إِلَيْهَا ومَعْشَرًا ... عَليَّ حِراصًا لَو يُسِرُّون مَقْتِلي)
(إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء تعرضت ... تعرض أثْنَاء الوشاح المْفصلِ)
(فَجئتُ وقدْ نَضتْ لِنومٍ ثِيَابهَا ... لَدى السِّتر إلاَّ لِبسةَ المتفضلِ)
(فَقَالَت يَميُن اللهِ مَا لَك حِيلةٌ ... وَمَا إِنْ أَرى عَنْك الغوَاية تنَجلِي)
(خَرجتُ بهَا أَمْشِي تجرُّ وَرَاءَنَا ... عَلى إثرنا أذيال مرط مرحل)
(فَلَمَّا أجَزْنا ساحة الحيِّ وانْتحى ... بِنَا بطن خبت ذِي حِقاف عقَنْقل)
(هصرتُ بفوْدَىْ رأسِها فتمايلتْ ... عَليَّ هَضيمِ الكشح ريًَّا المُخلخَلِ)
(مُهفهفةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضةٍ ... تَرائبها مصقولةٌ كالسَّجنجلِ)
(تصد عَن وتبدي أسيلٍ وتَتقي ... بناظرةٍ من وَحْش وَجْرةَ مُطفلِ)
1 / 8
(وجِيد كجيد الرِّيم لَيْسَ بفاحش ... إِذا هِيَ نصته وَلَا بمُعَطَّلِ)
(وفَرعٍ يَزينُ المَتن أسودَ فَاحم ... أثيث كقنو النَّخْلَة المتعثكل) // الطَّوِيل //
وَبعده الْبَيْت وَالْقَصِيدَة طَوِيلَة وَسَيَأْتِي طرف مِنْهَا فِي شَوَاهِد الْإِنْشَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى
والغدائر جمع غديرة الذوائب والاستشراز الرّفْع والارتفاع جَمِيعًا وَالْفِعْل مِنْهُ لَازم إِن كسرت زايه ومتعدٍّ إِن فتحت والعلا جمع علياء تَأْنِيث الْأَعْلَى وَأَرَادَ الْجِهَات الْعلَا والعقاص جمع عقيصة وَهِي الْخصْلَة من الشّعْر تأخذها الْمَرْأَة فتلويها ثمَّ تعقدها حَتَّى يبْقى فِيهَا التواء ثمَّ ترسلها والمثنى من الشّعْر وَغَيره مَا ثني والمرسل ضِدّه
وَمعنى الْبَيْت أَن حبيبته لِكَثْرَة شعرهَا بعضه مَرْفُوع وَبَعضه مثنى وَبَعضه مُرْسل وَبَعضه معقوص ملوي بَين الْمثنى والمرسل
وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت التنافر وَهُوَ لَفْظَة مستشزرات لثقلها على اللِّسَان وعسر النُّطْق بهَا
وامرؤ الْقَيْس اسْمه حندج بن حجر بن عَمْرو الْمَقْصُور سمي بذلك لِأَنَّهُ اقْتصر بِهِ على ملك أَبِيه حندج والحندج فِي اللُّغَة رَملَة طيبَة تنْبت ألوانًا وَأمه فَاطِمَة وَقيل تملك بنت ربيعَة بن الْحَرْث أُخْت كُلَيْب ومهلهل
1 / 9
وكنية امْرُؤ الْقَيْس أَبُو وهب وَأَبُو الْحَرْث ويلقب ذَا القروح لقَوْله
(وَبُدِّلتُ قَرحًا دَاميًا بعدْ صِحَّةٍ ... لَعلَّ مَنايانْا تحولنَ أبؤُسا) // الطَّوِيل // ويلقب الذائد أَيْضا لقَوْله
(أذُودُ القوافيَ عَني ذيادا ...) // المتقارب //
وَيُقَال لَهُ الْملك الضليل وَمعنى امْرِئ الْقَيْس رجل الشدَّة والقيس فِي اللُّغَة الشدَّة وَقيل الْقَيْس اسْم صنم وَلِهَذَا كَانَ الْأَصْمَعِي يكره أَن يروي قَوْله يَا امْرأ الْقَيْس فَانْزِل وَيَرْوِيه يَا امْرأ الله فَانْزِل وَهُوَ الَّذِي روى عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ فِيهِ أشعر الشُّعَرَاء وَقَائِدهمْ إِلَى النَّار وَقيل فِي تَأْوِيله إِن المُرَاد شعراء الْجَاهِلِيَّة وَالْمُشْرِكين
وَهُوَ أول من لطف الْمعَانِي وَمن استوقف على الطلول وَشبه النِّسَاء بالظباء والمها وَالْبيض وَشبه الْخَيل بالعقبان والعصي وَفرق بَين النسيب وَمَا سواهُ من القصيد وأجاد الِاسْتِعَارَة والتشبيه
وَكَانَ من حَدِيثه أَن أَبَاهُ طرده لما قَالَ الشّعْر وَإِنَّمَا طرده من أجل زَوجته وَهِي أم الحويريث الَّتِي كَانَ امْرُؤ الْقَيْس يشبب بهَا فِي شعره وَكَانَ
1 / 10
يتنقل فِي أَحيَاء الْعَرَب ويستتبع صعاليكهم وذؤبانهم وَالْعرب تطلق على اللُّصُوص الذؤبان تَشْبِيها بالذئاب وَكَانَ يُغير بهم وَكَانَ أَبوهُ ملك بني أَسد فعسفهم عسفًا شَدِيدا فتمالأوا على قَتله فَلَمَّا بلغه قتل أَبِيه وَكَانَ يشرب الْخمر قَالَ ضيعني صَغِيرا وحملني ثقل الثأر كَبِيرا الْيَوْم خمر وَغدا أَمر فأرسلها مثلا وَقيل بل قَالَ الْيَوْم قحاف وَغدا نقاف والقحاف من القحف وَهُوَ شدَّة الشّرْب والنقاف من نقف الْهَام إِذا قطعهَا
ثمَّ إِنَّه جمع جمعا من بني بكر بن وَائِل وَغَيرهم من صعاليك الْعَرَب وَخرج يُرِيد بني أَسد فَخَبرهُمْ كاهنهم بِخُرُوجِهِ إِلَيْهِم فارتحلوا وتبعهم امْرُؤ الْقَيْس فأوقع ببني كنَانَة وَكَانُوا بني أَسد قد لجأوا إِلَيْهِم ثمَّ ارتحلوا عَنْهُم فَقَتلهُمْ قتلا ذريعًا وَأَقْبل أَصْحَابه يَقُولُونَ يَا لثارات الْهمام فَقَالَت عَجُوز مِنْهُم وَاللات أَيهَا الْملك مَا نَحن بثأرك وَإِنَّمَا ثأرك بَنو أَسد وَقد ارتحلوا فَرفع الْقَتْل عَنْهُم وَقَالَ
(أَلا لَهْفَ نَفسي إِثْر قَومٍ ... هم كَانُوا الشفَاء فَلم يصُابوا)
(وَقاهمْ جَدُّهمُ ببني عَليٍّ ... وبالأشْقينَ مَا كانَ العقابُ)
(وأفلتهن عِلباء جَريضًا ... وَلَو أدركنهُ صَفِرَ الوِطابُ) // الوافر //
وَقيل إِن أَصْحَابه اخْتلفُوا عَلَيْهِ حِين أوقع ببني كنَانَة وَقَالُوا لَهُ أوقعت بِقوم بُرَآء وظلمتهم فَخرج إِلَى الْيمن إِلَى بعض مقاولة حمير واسْمه قرمل فاستجاشه
1 / 11
فثبطه قرمل فَذَلِك حَيْثُ يَقُول
(وكُنا أُناسًا قَبلَ غَزوةِ قَرْمل ... وَرثنَا الغِنَى والمجدَ أكبر أكبرا) // الطَّوِيل //
ثمَّ خرج إِلَى قَيْصر بعد أَن أودع أدراعه وكراعه السموءل ابْن عادياء فَذَلِك حَيْثُ يَقُول
(بَكَى صَاحِبي لما رأى الدَّرْب دونه ... وأيقن أنَّا لاَحِقانِ بقيصرا)
(فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا نحاول ملكا أَو نَموتَ فَنُعذرَا) // الطَّوِيل //
وَصَاحبه عَمْرو بن قميئة الشَّاعِر وَهُوَ من بني قيس بن ثَعْلَبَة وَكَانَ قد طوى عَنهُ الْخَبَر حَتَّى جَاوز الدَّرْب فَلَمَّا وصل إِلَى قَيْصر اسْتَغَاثَ بِهِ فوعده أَن يرفده بِجَيْش
وَكَانَ امْرُؤ الْقَيْس جميل الْوَجْه وَكَانَ لقيصر ابنةٌ جميلَة فَأَشْرَفت يَوْمًا من قصرهَا فرآها امْرُؤ الْقَيْس فِي دُخُوله إِلَى أَبِيهَا فَتعلق بهَا وراسلها فأجابته إِلَى مَا سَأَلَ فَذَلِك حَيْثُ يَقُول لما وصل إِلَيْهَا
(فَقلت يَمِين الله أبْرح قَاعِدا ... وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي) // الطَّوِيل //
وَقيل إِن أَبَاهَا زوجه إِيَّاهَا وَقد كَانَ سبق إِلَى قَيْصر رجل من بني أَسد يُقَال لَهُ الطماح فوشى بِهِ إِلَى قَيْصر فَوجه مَعَه جَيْشًا ثمَّ أتبعه رجلا مَعَه حلَّة مَسْمُومَة وَقَالَ لَهُ اقْرَأ ﵇ وَقل لَهُ إِن الْملك قد بعث إِلَيْك بحلة قد لبسهَا ليكرمك بهَا وَأدْخلهُ الْحمام فَإِذا خرج فألبسه إِيَّاهَا فَلَمَّا فعل تنفط بدنه وَكَانَ يحمل فِي محفة فَذَلِك حَيْثُ يَقُول
(لَقدْ طَمِحَ الطَّماحُ مِنْ بُعْدِ أرضهِ ... لِيْلُبسني مِنْ دائه مَا تلبسا) // الطَّوِيل //
1 / 12
وَكَانَ الطماح قبل ذَلِك قد عَبث بِامْرَأَة من قومه فسعى بِهِ فهرب فَأَرَادَ كَمَا سعى بِهِ أَن يسْعَى بِهِ
ثمَّ إِن امْرأ الْقَيْس لما بلغ أنقرة طعن فِي إبطه وَارْفض عَنهُ أَصْحَابه وَكَانَ نُزُوله إِلَى جَانب جبل وإِلى جَانِبه قبر لابنَة بعض الْمُلُوك فَسَالَ عَنهُ فَأخْبر فَقَالَ
(أجارتنا إِن الخطوب تَنوبُ ... وَإِنِّي مقُيمٌ مَا أقامَ عَسيبُ)
(أجَارتنَا إِنَّا غَريبانِ هَاهُنَا ... وكلُّ غَريبٍ للغريبِ نَسيبُ)
(فإِنْ تَصليني تسعدي بمَوَدَّتي ... وإنِ تَقطعيني فالغريب غَرِيب) // الطَّوِيل //
ثمَّ مَاتَ هُنَالك فَدفن بأنقرة وَكَانَ آخر مَا تكلم بِهِ
(رُبَ طَعنةٍ مُثْعَنجرَه ... وَخطُبةٍ مُسحنَفره)
(وَجفنةٍ مُدعترَه ... وَقصيدَةٍ مُحبَّرَهْ)
(تَبْقَى غَدًا بأنْقَرهْ ...)
1 / 13
٢ - (وفَاحمًا وَمرْسِنًا مُسَرَّجا ...)
قَائِله رؤبة بن العجاج وَهُوَ من بَحر الرجز من أرجوزة طَوِيلَة أَولهَا
(مَا هَاج أشْجانًا وَشجوًا قد شجا ... مِنْ طَللٍ كالأتْحمُّى أنهجا)
(أَمْسَى لعافي الرَّامساتِ مَدْرَجًَا ... واتّخذتهُ الناثجات منأجا)
(مَنازلٌ هَيَّجنَ مَن تَهيجَا ... مِنْ آل لَيلى قد عَفونَ حِجَجَا)
(والشحطُ قَطاعٌ رَجاء مَن رَجا ... أزمانَ أبْدتْ وَاضحًا مُفلَّجَا)
(أغرَ برَّاقًَا وَطرفًا أبرجَا ... وَمقلةً وحاجبًا مُزججَا) // الرجز //
وَبعده الْبَيْت وَبعده
(وكَفَلًا وَعْثًَا إِذا ترجرجَا ...)
الفاحم الْأسود وَأَرَادَ شعرًا فاحمًا فَحذف الْمَوْصُوف وَأقَام الصّفة مقَامه والمرسن بِفَتْح السِّين وَكسرهَا الْأنف الَّذِي يشد بالرسن ثمَّ استعير لأنف الْإِنْسَان ومسرجًا مختلفٌ فِي تَخْرِيجه فَقيل من سَرْجه تسريجا بهجة وَحسنه وَقيل من قَوْلهم سيوف سريجية منسوبة إِلَى قين يُقَال لَهُ
1 / 14
سُرَيج شبه بهَا الْأنف فِي الدقة والاستواء وَقيل من السراج وَهُوَ قريب من قَوْلهم سرِج وَجهه بِكَسْر الرَّاء أَي حَسُنَ والزَّجَجُ دقة الحاجبين
وَالْمعْنَى أَن لهَذِهِ الْمَرْأَة الموصوفة مقلة سَوْدَاء وحاجبا مدققا مقوسا وشعرا اسود وأنفًا كالسيف السريجي فِي دقته واستوائه أَو كالسراج فِي بريقه وضيائه
وَالشَّاهِد فِيهِ الغرابة فِي مسرجا للِاخْتِلَاف فِي تَخْرِيجه
ورؤبة قَائِل هَذَا الْبَيْت هُوَ أَبُو مُحَمَّد رؤبة بن العجاج والعجاج لقبه واسْمه عبد الله بن رؤبة الْبَصْرِيّ التَّمِيمِي السَّعْدِيّ سمي باسم قِطْعَة من الْخشب يشعب بهَا الْإِنَاء وَهِي بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا هَاء سَاكِنة وَهُوَ وَأَبوهُ راجران مشهوران كلٌّ مِنْهُمَا لَهُ ديوَان رجز لَيْسَ فِيهِ شعر سوى الأراجيز وهما مجيدان فِي رجزهما وَكَانَ رؤبة هَذَا بَصيرًا باللغة قيمًا بحوشيًا وغريبها
حكى يُونُس بن حبيب النَّحْوِيّ قَالَ كنت عِنْد أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فجَاء شبيل بن عُرْوَة الضبعِي فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرو وَألقى لَهُ لبد بغلته فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثمَّ أقبل عَلَيْهِ يحدثه فَقَالَ شبيل يَا أَبَا عَمْرو سَأَلت رؤبتكم عَن اشتقاق اسْمه فَمَا عرفه يَعْنِي رؤبة قَالَ يُونُس فَلم أملك نَفسِي عِنْد ذكره فَقلت لَعَلَّك تظن أَن معد بن عدنان أفْصح مِنْهُ وَمن أَبِيه أفتعرف أَنْت مَا الرُّوبَةُ والرُّوبة والرُّوبة والرُّوبة والرُّوبة وَأَنا غُلَام رؤبة فَلم يحر جَوَابا وَقَامَ مغضبًا فَأقبل عَليّ أَبُو عَمْرو وَقَالَ هَذَا رجلٌ شرِيف يقْصد مجالسنا وَيَقْضِي حقوقنا وَقد أَسَأْت فِيمَا
1 / 15
وَفعلت مِمَّا واجهته بِهِ فَقلت لم أملك نَفسِي عِنْد ذكر رؤبة فَقَالَ أَبُو عَمْرو أَو سلطت على تَقْوِيم النَّاس ثمَّ فسر يُونُس مَا قَالَه فَقَالَ الروبة خميرة اللَّبن والروبة قِطْعَة من اللَّيْل والروبة الْحَاجة يُقَال فلَان مَا يقوم بروبة أَهله أَي بِمَا اسندوا إِلَيْهِ من حوائجهم والروبة جمام مَاء الْفَحْل والرؤبة بِالْهَمْز الْقطعَة الَّتِي يشعب بهَا الْإِنَاء والجميع بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو إِلَّا رؤبة فَإِنَّهُ بِالْهَمْز
وَقيل ليونس من أشعر النَّاس فَقَالَ العجاج ورؤبة فَقيل لَهُ لم نعن الرجاز قَالَ هما أشعر أهل القصيد وَإِنَّمَا الشّعْر كَلَام وأجوده أشعره قَالَ العجاج
(قد جبر الدّين الْإِلَه فجبر ...) // الرجز //
فَهِيَ نحوٌ من مِائَتي بَيت مَوْقُوفَة القوافي وَلَو أطلقت قوافيها كلهَا لكَانَتْ مَنْصُوبَة وَكَذَلِكَ عَامَّة أراجيزهما
وَعَن ابْن قُتَيْبَة قَالَ كَانَ رؤبة يَأْكُل الفأر فعوتب فِي ذَلِك فَقَالَ هِيَ وَالله أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللَّاتِي تَأْكُل الْعذرَة وَهل يَأْكُل الفأر إِلَّا نقي الْبر ولباب الطَّعَام
وَحدث أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ النَّحْوِيّ قَالَ دخل رؤبة بن العجاج السُّوق وَعَلِيهِ بركاني أَخْضَر فَجعل الصّبيان يعبثون بِهِ ويغرزون شوك النّخل فِي بركانه ويصيحون بِهِ يَا مردوم يَا مردوم فجَاء إِلَى الْوَالِي فَقَالَ أرسل معي الوزعة فَإِن الصّبيان قد حالوا بيني وَبَين السُّوق فَأرْسل مَعَه أعوانًا فَشد عَليّ الصّبيان وَهُوَ يَقُول
1 / 16
(أنحى عَلَى أمّكَ بالمَردومِ ... أَعْورُ جَعدٌ من بني تَمِيم)
(شراب ألبان خلايا كوم ...)
قَالَ فَجعلُوا يعدون بَين يَدَيْهِ حَتَّى دخلُوا دَارا فِي الصيارفة فَقَالَ لَهُ الشرطي أَيْن هم قَالَ دخلُوا دَار الظَّالِمين فسميت إِلَى الْآن دَار الظَّالِمين لقَوْل رؤبة وَهِي فِي صيارفة سوق الْبَصْرَة
وَعَن الْمَدَائِنِي قَالَ قدم الْبَصْرَة راجز من رجاز الْمَدِينَة فَجَلَسَ إِلَى حَلقَة فِيهَا الشُّعَرَاء فَقَالَ أَنا أرجز الْعَرَب أَنا الَّذِي أَقُول
(مَروانُ يُعطِي وسَعيدٌ يَمنعُ ... مَروانُ نَبعٌ وَسَعِيد خروع) // الرجز //
وددت أَنِّي راهنت من أحب فِي الرجز يدا بيد وَالله وَالله لأَنا أرجز من العجاج فليت الْبَصْرَة جمعت بيني وَبَينه قَالَ والعجاج حَاضر وَابْنه رؤبة مَعَه فَأقبل رؤبة على أَبِيه فَقَالَ قد أنصفك الرجل فَأقبل عَلَيْهِ العجاج فَقَالَ هَا أَنا ذَا العجاج فَهَلُمَّ وزحف إِلَيْهِ فَقَالَ وَأي العجاجين أَنْت قَالَ مَا خلتك تَعْنِي غَيْرِي أَنا أَبُو عبد الله الطَّوِيل وَكَانَ يكنى بذلك فَقَالَ لَهُ الْمدنِي مَا عنيتك وَلَا أردتك قَالَ كَيفَ وَقد هَتَفت باسمي قَالَ أَو مَا فِي الدُّنْيَا عجاج سواك قَالَ مَا علمت قَالَ وَلَكِنِّي أعلم وإياه عنيت قَالَ فَهَذَا ابْني رؤبة قَالَ اللَّهُمَّ غفرا مَا بيني وبينكما عمل وَإِنَّمَا مرادي غيركما قَالَ فَضَحِك أهل الْحلقَة وكفا عَنهُ
وَعَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَلْقَمَة قَالَ أخرج شاهين بن عبد الله الثَّقَفِيّ رؤبة مَعَه إِلَى أرضه فقعدوا يَلْعَبُونَ بالنرد فَلَمَّا أَتَوا بالخوان قَالَ رؤبة فِيهِ
(يَا إخْوتِي جَاء الخِوانُ فَارفعُوا ... حَنَّانةً كعَابُها تَقَعْقَعُ)
(لَم أدْرِ مَا ثَلاثُها والأربعُ ...) قَالَ فضحكنا ورفعناها وَقدم الطَّعَام
وَكَانَ رؤبة مُقيما بِالْبَصْرَةِ فَلَمَّا ظهر بهَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحسن بن عَليّ
1 / 17
ابْن أبي طَالب كرم الله وَجهه على الْمَنْصُور وَجَرت الْوَاقِعَة الْمَشْهُورَة خَافَ رؤبة على نَفسه وَخرج إِلَى الْبَادِيَة ليجتنب الْفِتْنَة فَلَمَّا وصل إِلَى النَّاحِيَة الَّتِي قَصدهَا أدْركهُ أَجله بهَا فَتوفي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة
وَهَذَا يُخَالف مَا رَوَاهُ يَعْقُوب بن دَاوُد قَالَ لقِيت الْخَلِيل بن أَحْمد يَوْمًا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله دفنا الشّعْر واللغة والفصاحة الْيَوْم فَقلت لَهُ كَيفَ ذَلِك قَالَ حِين انصرفت من جَنَازَة رؤبة بن العجاج وَكَانَ قد أسن ﵀
وَقد سمع أَبَاهُ وَأَبوهُ سمع أَبَا هُرَيْرَة ﵁ وَقَالَ النَّسَائِيّ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيّ وَقد روى رؤبة بن العجاج عَن أبي الشعْثَاء عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي ﷺ فِي سفر وحاد يَحْدُو
(طافَ الخَيالانِ فَهاجا سَقمًا ... خَيالُ لبُنْيَ وَخيالُ تَكُتماَ)
(قَامتْ تُريك خَشيةً أَن تَصْرما ... ساقًا بَخنْداةً وكعبا ادرما) // الرجز //
وَالنَّبِيّ ﷺ يسمع وَلَا يُنكر
وَحدث أَبُو عُبَيْدَة الْحداد قَالَ حَدثنَا رؤبة بن العجاج قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة ﵁ يَقُول السِّوَاك يذهب وضر الطَّعَام وَهَذَا الْخَبَر يدل على أَنه سمع من أبي هُرَيْرَة ﵁ وَالله أعلم
وَمن شعره
(أَيهَا الشامت الْمُعير بالشّيب أقِلّنّ بالشبّابِ افْتخارّا ...)
(قَدْ لَبستُ الشّبابَ غَضًَّا طَريّا ... فَوجدتُ الشّبابَ ثوبا معارا) // الْخَفِيف //
٣ - (الْحَمد لله الْعلي الأجْلَلِ ...)
قَائِله أَبُو النَّجْم وَهُوَ من بَحر الرجز من أرجوزة طَوِيلَة وَبعده
(الوَاهب الفَضلِ الوَهوب المُجزِل ... أعْطَى فَلمْ يَبخلْ وَلم يُبخَّلِ) // الرجز //
وَالشَّاهِد فِيهِ مُخَالفَة الْقيَاس اللّغَوِيّ فِي قَوْله الأجلل إِذْ الْقيَاس الْأَجَل بِالْإِدْغَامِ
1 / 18
وَأَبُو النَّجْم اسْمه الْفضل بن قدامَة بن عبيد الله الْعجلِيّ وَهُوَ من رجاز الْإِسْلَام والفحول الْمُتَقَدِّمين فِي الطَّبَقَة الأولى مِنْهُم
وَفد على هِشَام بن عبد الْملك وَقد طعن فِي السن فَقَالَ يَا أَبَا النَّجْم حَدثنِي قَالَ أَعنِي أَو عَن غَيْرِي قَالَ بل عَنْك قَالَ إِنِّي لما كَبرت عرض لي الْبَوْل فَوضعت عِنْد رجْلي شَيْئا أبول فِيهِ فَقُمْت من اللَّيْل أبول فَخرج مني صَوت فتشددت ثمَّ عدت فَخرج مني صَوت آخر فأويت إِلَى فِرَاشِي وَقلت يَا أم الْخِيَار هَل سَمِعت شَيْئا قَالَت لَا وَالله وَلَا وَاحِدَة مِنْهُمَا فَضَحِك هِشَام
وَعَن أبي عُبَيْدَة قَالَ مَا زَالَت الشُّعَرَاء تقصر بالرجاز حَتَّى قَالَ أَبُو النَّجْم
(الْحَمد لله الْعلي الأجلل ...)
وَقَالَ العجاج
(قد جبر الدّين الإلهُ فجبر ...)
وَقَالَ رؤبة
(وقاتم الأعماق خاوي المخترق ...) فانتصفوا مِنْهُم
وَعَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ قَالَ فتيانٌ من عجلٍ لأبي النَّجْم هَذَا رؤبة بالمربد يجلس فَيسمع شعره وينشد النَّاس ويجتمع إِلَيْهِ فتيَان بني تَمِيم قَالَ أَو تحبون ذَلِك قَالُوا نعم قَالَ فائتوني بِشَيْء من نَبِيذ فَأتوهُ بِهِ فشربه ثمَّ انتفض فَقَالَ
(إِذا اصطبحت أَرْبعا عَرفتني ... ثمَّ تَجَشمتُ الَّذِي جشمتني) // الرجز //
1 / 19
فَلَمَّا رَآهُ رؤبة أعظمه وَقَامَ لَهُ عَن مَكَانَهُ وَقَالَ هَذَا رجاز الْعَرَب وسألوه أَن ينشدهم فأنشدهم
(الحمدُ لله العليِّ الأجلل ...)
وَكَانَ من أحسن النَّاس إنشادًا فَلَمَّا فرغ مِنْهَا قَالَ لَهُ رؤبة هَذِه أتم الرجز ثمَّ قَالَ يَا أَبَا النَّجْم قربت مرعاها إِذْ جَعلتهَا بَين رجل وَابْنه يُوهم عَلَيْهِ أَنه حَيْثُ قَالَ
(تَبقَّلَتْ مِنْ أَوّلِ التبَّقِّلِ ... بَينَ رِماحَيْ مَالك ونهشل) // الرجز // أَنه يُرِيد نهشل بن مَالك بن حَنْظَلَة بن زيد بن مَنَاة فَقَالَ لَهُ أَبُو النَّجْم هَيْهَات الكمر تتشابه أَي إِنَّمَا أُرِيد مَالك بن ضبيعة بن قيس ونهشل قَبيلَة من ربيعَة
وَعَن أبي بَرزَة المربدي قَالَ خرج العجاج محتفلًا عَلَيْهِ جُبَّة من خَز وعمامة من خَز على نَاقَة لَهُ قد أَجَاد رَحلهَا حَتَّى وقف بالمربد وَالنَّاس مجتمعون عَلَيْهِ وأنشدهم
(قد جبر الدّين الإلهُ فَجَبرْ ...)
وَذكر فِيهَا ربيعَة فهجاهم فجَاء رجل من بني بكر بن وَائِل إِلَى أبي النَّجْم وَهُوَ فِي بَيته فَقَالَ أَنْت جَالس وَهَذَا العجاج يهجونا فِي المربد قد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ صف لي حَاله وزيه الَّذِي هُوَ فِيهِ فوصف لَهُ فَقَالَ ابغني جملا طحانًا قد أَكثر عَلَيْهِ من الهناء فجَاء بالجمل فَأخذ سَرَاوِيل لَهُ فَجعل إِحْدَى
1 / 20