فبسط شاد بك يديه ضارعا وقال: إنني أستحلفك بشرفك. إنني أتوسل إليك بالسيف الذي لن يجد يدا طاهرة تحمله بعدك. أستحلفك بكل ذلك أن تسير معنا لنلقى قضاءنا معا.
فقال طومنباي وقد عاد إليه الهدوء: لو علمت أنكم تطيعونني لأمرتكم بالبقاء معي هاهنا حتى نلقى قضاءنا معا في صمت. إن هذا أكرم لنا من أن نضرب في فجاج الأرض هربا من عدو يلحق بنا في غير هوادة.
فتحرك شاد بك في ضجر وهم أن يتكلم، فقاطعه السلطان قائلا: إنني أعرف أنكم لن ترضوا بالاستسلام وستسخرون مني إذا أنا طلبت منكم أن تستسلموا، ولعلكم تزدادون سخرية إذا علمتم أنني قد ألقيت سلاحي كله في البحر في هذا الصباح.
فصاح شاد بك: ألقيت سلاحك!
وردد الأمراء صيحته في يأس.
فقال طومنباي: نعم، ألقيت سلاحي كله في البحر. ألقيت درعي الفولاذية والحلي والجواهر التي كنت أدخرها، ولم أبق إلا على هذا السيف الذي أحمله رمزا لملكي الزائل. حتى الطبر الفولاذي الذي صنعه الأسلاف الأمجاد من صاعقة السماء، حتى هذا الطبر ألقيت به إلى البحر وعيني باكية.
وارتفعت عند هذا ضجة عالية من قبل مدخل الوادي، فأشار السلطان بيده إلى الأمراء وصاح بصوت أجش: اذهبوا، أسرعوا قبل أن تتعذر النجاة! إلى اللقاء في عالم البقاء. أسرعوا أيها الأصدقاء. إلى اللقاء يا قانصوه العادلي، يا يحيى الشجاع! يا أرزمك النبيل! يا برد بك! يا أبرك الباسل! إلى اللقاء يا شاد بك يا أشجع الشجعان!
ثم أطرق وسار يجر قدميه نحو الربوة الصفراء في جانب الوادي.
فنظر شاد بك إليه وجالت الدموع في عينيه، ثم أدار وجهه وأسرع نحو مربط الخيل وتبعه الأمراء يهرولون في صمت. وصعد السلطان في الكثيب وهو مترنح، حتى بلغ أعلاه فجلس ساهما يحملق في الفضاء.
وبعد ذلك علت ضجة أخرى عند مدخل الوادي ارتجت لها الأرض، وترددت أصداؤها بين سفوح التلال، فالتفت السلطان فإذا الأمراء فوق جيادهم يركضون لا يلوون على شيء، وهم في السلاح الشائك، واندفعوا نحو العنق الضيق المؤدي إلى البراح. وهمزوا الخيل في عنف فخرجت بهم تقتحم جموع الترك التي تغطي وجوه الرمال في أقصى الفضاء، ونظر السلطان من موضعه إليهم كأنه يرى منظرا في حلم، رأى صفوف الترك تضطرب وتنفرج والأمراء يخرجون من بينها وهم يحطمون فيها بضربات عنيفة مثل صواعق الإعصار. وبرزوا من بين الجموع واحدا بعد واحد وحول كل منهم دائرة ضيقة من المماليك، حتى بلغوا براح الفضاء، وانطلقت بهم الخيول تثير في أعقابها سحائب من الغبار الكثيف واتجهوا نحو الغرب.
अज्ञात पृष्ठ