38

فقال حجر: قل ولا تخف يا سدوس. قل فإن الكي يريح القرحة الداوية.

فاستمر سدوس في صوت خافت: فقالت هند: «لم أبغض شيئا في الحياة مثل بغضي له.»

فصاح حجر في صوت حانق: تبغضني هند كما لم تبغض شيئا في الحياة؟ أقالت هذا وسمعته بأذنيك يا سدوس؟

فقال سدوس في تردد ورقة: لقد علمت أن الرائد لا يكذب صاحبه.

فتنفس حجر كأنما صدره ينفجر، ثم قال: أهند من بين النساء، أم هن كذلك يا سدوس؟ أتبغضني هند وتفضي إلى عدوي بذلك وهي بين ذراعيه؟ أي شيء في الحياة يحرص عليه الرجل بعد هذا؟ أهذا مبلغ الوفاء عند هند؟

وسكت لحظة كأنه يستعيد صورا ماضية لكي يقرنها بالصورة التي حملها إليه صاحبه. أهذه هند التي أمتعته بأشهى ما يمتع النساء الرجال؟ أهذه امرأته التي كان يجد السلام في قربها بعد أن تجهده الحروب؟ أهذه هي الحبيبة التي ودعها عند باب الخيمة وهي تبكي؟ أهي التي استودعها قلبه ريثما يعود؟ أي الصورتين تتمثل فيها الحقيقة، وأيهما يتدسس إليها الكذب المسموم؟ أكانت تخادعه وهي تضمه إلى صدرها، أم هي تخدع زيادا وهي بين ذراعيه؟

واتجه عند ذلك إلى سدوس في شيء من الريبة، وقال يمتحن صدقه: تقول إنك سمعت قولها يا سدوس؟ أسمعتها بأذنيك؟

فقال سدوس خاشعا: نعم سمعتها، ولم أشأ أن أعود إليك إلا بالخبر اليقين.

فقال حجر وقلبه يغوص في صدره: إذن فامض في قصتك وقل لي سائر الحديث، ولا تحجب عني شيئا من قولها. قل ما سمعت وإن كان كل حرف منه يطعن قلبي.

ومضى سدوس يتحدث كأنما يهمس لنفسه، وكلما بلغ موضعا يظن فيه مثارا للألم المبرح في قلب صاحبه تريث وتردد، ونظر إليه خاشعا كأنه يخشى منه سطوة الغضب والانتقام، ولكن حجرا كان سادرا يلوك المرار ويلفظه، ولا ينطق إلا بزفرات مكتومة كأنها حشرجة المطعون. ثم قال سدوس: وجعلت تصفك قائلة: «إنه شديد الكلب، تزبد شفتاه كأنه بعير أكل مرارا!»

अज्ञात पृष्ठ