وأخطأ في فهمه، ومعلوم أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين، وليس المطلوب إلا الظن الغالب. هذا فيما انفردوا به عنا، أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالة الألفاظ والأقيسة، فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوبا، وأعمق علما، وأقل تكلفا، وأقرب إلى أن يوفقوا لما لم نوفق له نحن، لما خصهم الله به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك، وقلة المعارض أو عدمه، وحسن القصد وتقوى الرب. وأما المتأخرون فقلوبهم ١ متفرقة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة شعبة، وفكرهم في كلام شيوخهم شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية - إن كان لهم همم تسافر إليها- وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير، وهذا شأن من استفرغ قواه في الأعمال غير المشروعة، تضعف قوته عند العمل المشروع.
الوجه الرابع والأربعون:
أن النبي ﷺ: قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" ٢. وقال علي (: "لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لكيلا تبطل حجج الله وبيناته". فلو جاز أن يخطئ الصحابي في حكم
_________
١ كذا بالأصل، وفي إعلام الموقعين ج ٤ ص ١٤٩ نشر مكتبة الكليات الأزهرية: فقواهم.
٢ رواه مسلم عن ثوبان.
1 / 32