بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفاتحة
1 -
قال أبو إسحاق الثعلبي -رحمه الله-: " العلة في كسرة {باسم الله} أن الباء حرف ناقص ممال، والإمالة من دلائل الكسرة ".
قلت: هذا باطل بالتاء فإنه حرف ناقص ممال ومع هذا لا يكسر إذا ألصق بالاسم بل يفتح فيقال تالله.
2 -
قال: " الدليل على أن الاسم هو المسمى قوله تعالى: {إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} ثم قال: " يا يحيى نادى الاسم ".
पृष्ठ 67
قلت: ما نادى الاسم وإنما نادى المسمى بالاسم تعريفا.
3 -
قال: " أصل الاسم سمو واشتقاقه من سما يسمو وكأن المخبر عنه معدوم وما دام معدوما فهو في درجة يرتفع بها إذا وجد ويعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه ".
قلت: هذا باطل بأسماء الله فإنه لا يتصور أن يقال كان المخبر عنه معدوم ويعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه وهذا محال بل كفر، ثم هذا الذي ذكره
पृष्ठ 68
من اشتقاق الاسم من سما يسمو وأن أصله سمو قول البصريين، فأما قول الكوفيين فأصل الاسم من الوسم وهو العلامة قلبت الواو ألفا.
وقول البصريين أقوى بدليل التصريف.
पृष्ठ 69
4 -
قال: " في الحديث أن عيسى ابن مريم أرسلته أمه إلى الكتاب ليتعلم فقال له المعلم قل: بسم الله الرحمن الرحيم. قال له عيسى: الباء بهاء الله ".
قلت: إن صح الحديث فلا يعترض عليه، ولكن دليل أنه غير ثابت وجوه:
الأول: أنه صح أن عيسى كان في بطن أمه يحفظ التوراة والإنجيل وكان يقرؤها وهو في بطنها بحيث يسمع أمه فكيف أرسلته إلى الكتاب ليتعلم
पृष्ठ 70
وهي تعلم من حاله ذلك، والدليل على ذلك أنه حين تكلم وهو طفل رضيع قال: {إني عبد الله آتاني الكتاب}.
والثاني: أن (بسم الله الرحمن الرحيم) إنما قرئت وكتبت بعد نزولها على نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وقبل ذلك كانوا يكتبون باسمك اللهم.
والثالث: أن معلم عيسى، وعيسى كانوا يقرؤون بالسريانية لا بالعربية وهذا عربي.
والرابع: كيف قال عيسى: الباء بهاء الله والسين سناء الله، والباء حرف زائد والسين حرف أصلي، وعلى تقدير أن تكون التسمية في الإنجيل تكون بالسريانية لا بالعربية. فلا تكون بهذه الصيغة وهذه الحروف فلا يتصور أن يقال ذلك في تفسيره.
पृष्ठ 71
5 -
ثم فسر {بسم الله} بالملك والمجيد وهذا بعيد جدا؛ لأن الباء حرف زائد والسين والميم أصليان فكيف يسوي بين الكل؟ ثم إنا نعلم يقينا أن الباء ههنا للإلصاق والابتداء ألحقوها بالاسم، وهما حرف واسم مركبان لمعنى معلوم مشهور لا يفهم غير ذلك المعنى، وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير الألفاظ عن معانيها الموضوعة لها لغة، وتحريف الكلم عن مواضعها وذلك غير جائز.
6 -
قال: " أدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة المحذوفة في (إله) فلزمتا الكلمة لزوم تلك الهمزة، وأجريت على الأصل، ولهذا لم يدخل عليه في النداء ما يدخل على الأسماء المعرفة من حروف التنبيه، فلم يقولوا: يا أيها الله ".
पृष्ठ 72
قلت: هذا لم يختص بالله فإن حروف التنبيه كما لم تدخل على الله كذلك لا تدخل على الرحمن، فلا يقال: يا أيها الرحمن. وإن لم يكن الألف واللام في الرحمن لازمتين؛ بل إنما لم يدخل التنبيه على أسماء الله سواء كان بالألف واللام، أو لم يكن؛ لأن التنبيه إنما يكون للغافل أو النائم، وتعالى الله عن ذلك. فعلم أن ذلك ليس دليلا، للزوم الألف واللام؛ بل دليل اللزوم أن في النداء يقال: يا الله، ولا يقال: يا الرحمن؛ بل يقال يا رحمن.
فلما صار ألف الله في النداء باقيا، وغير باق في الرحمن عند النداء دل ذلك على لزوم الألف واللام في الله.
7 -
قال: " قال الخليل بن أحمد وجماعة: الله اسم موضوع لله - عز وجل -
पृष्ठ 73
لا يشركه فيه أحد ".
قلت: كما قلت في أول الكتاب إن الاسم هو المسمى يستحيل إذا أن يكون الله اسما موضوعا؛ لأنه يلزم من كون الاسم موضوعا كون المسمى موضوعا مخلوقا وهو كفر صراح تعالى الله عن ذلك. فأنت بين أمرين: إما أن تقر ببطلان هذا القول، أو ببطلان كون الاسم والمسمى واحدا.
8 -
قال: " إذا أطلق هذا الاسم على غير الله فإنما يقال بالإضافة كما يقال: إله كذا، أو ينكر فيقال: إله كقوله: {اجعل لنا إلها}.
قلت: لا يطلق قط هذا الاسم على غير الله لا مضافا ولا منكرا، فإنا ما سمعنا قط يقال: إله بغداد أو إله الغلام، أو إله الدار، ولا أن يقال: فلان إله.
पृष्ठ 74
وإنما الله تعالى أخبر عن جماعة جهال أنهم اجترؤوا بهذا اللفظ وتجاسروا إساءة الأدب فقالوا: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} ظنا منهم أن العجل هو الله المعبود جهلا وكفرا تعالى الله عما يشركون.
9 -
قال: " غلظ بعض القراء اللام في قوله: (الله) حتى طبقوا اللسان به والحنك لفخامة ذكره، وللفرق بينه وبين اللات ".
पृष्ठ 75
قلت: إنما يغلظون إذا ذهبوا إليه من النصب أو الضم، أما إذا ذهبوا من الخفض فلا. بخلاف اللات فإنه لا يغلظ في الأحوال كلها.
10 -
قال: " جاء في الدعاء (يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة) ".
قلت: المروي: (يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما).
पृष्ठ 76
مطلب في البسملة
11 -
قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتب باسمك اللهم حتى نزل: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فكتب مثلها ".
قلت: إنه مناقض لما روى في أول الكتاب أن أول ما نزل من القرآن: {بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين} وحجة هو أيضا على من
पृष्ठ 77
يقول بأن {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من أول كل سورة؛ لأن قبل سورة النمل قد نزلت سور كثيرة فلو كانت التسمية معها منزلة لم يتوقف كتابتها على نزولها في سورة النمل.
12 -
قال: " في حديث أبي هربرة يقول الله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: {بسم الله الرحمن الرحيم} قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: {الحمد لله رب العالمين} فال الله: حمدني عبدي ... ) الحديث ".
قلت: حديث أبي هريرة حديث صحيح رواه مسلم عن قتيبة عن
पृष्ठ 78
مالك: (من صلى صلاة لم يقرأ بها بأم القرآن فهي خداج). إلى قوله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين اقرأوا يقول العبد: {الحمد لله رب العالمين} يقول الله: حمدني عبدي ... ) الحديث. ولم يذكروا قوله: (إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم). وذكر الخطابي
पृष्ठ 79
والبغوي في كتبهما أن بهذا الحديث يستدل من لا يرى التسمية آية من الفاتحة؛ لأنه لم يبدأ بها إنما بدأ بالحمد لله.
13 -
قال في حديث أنس: " (صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم}).
علم بهذا أنه لم ينف كون هذه الآية من جملة السورة ".
पृष्ठ 80
قلت: بل نفى؛ لأنه لو كان من جملة السورة لجهر بها كما جهر بالسورة؛ ولأنه تم استدلالهم به في ترك الجهر الذي هو عين الخلاف.
14 -
قال: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) يحتمل أنه أراد كل ما وقع عليه اسم القرآن، ويحتمل أنه أراد سورة بعينها ".
قلت: لا يحتمل ذلك لأنه مطلق، والمطلق لا يحتمل التعيين.
15 -
وقال: " بالعلة التي أوجبوا قراءة آية تامة مع قوله: (ما تيسر) أوجبنا قراءة الفاتحة ".
पृष्ठ 81
قلت: في رواية عن أبي حنيفة يجوز دون آية بأن يقرأ أدنى ما ينطلق عليه اسم القرآن.
* * *
سورة البقرة
16 -
قال في سورة البقرة: " لم تكن العرب تعرف الإيمان غير التصديق، والنقل عن اللغة لم يثبت فيه؛ إذ لو صح النقل عن اللغة لروي ذلك كما
पृष्ठ 82
روي في الصلاة التي أصلها الدعاء ".
قلت: بل النقل عن اللغة ثبت فيه وهو قوله تعالى: {وآمنهم من خوف}، وقول النابغة:
والمؤمن العائذات الطير تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند
17 -
قال في قوله
: {أتجعل فيها من يفسد فيها}: "
معناه: أتجعل فيها من يفسد فيها أم تجعل فيها من لا يفسد فيها ".
قلت: لو قدرنا هكذا لم ينتظم مع قوله: {ونحن نسبح بحمدك} ومع
पृष्ठ 83
قوله: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
18 -
قال في قوله تعالى للملائكة
: {أنبئوني بأسماء هؤلاء}: "
دليل على جواز تكليف ما لا يطاق "
قلت: هذا أمر تعجيز لا أمر تكليف، والخلاف في أمر التكليف.
19 -
قال: " الاسم كل لفظة دلت على معنى ما، وشيء ما، وهو مشتق من السمة وهي العلامة التي يعرف بها الشيء ".
पृष्ठ 84
قلت: لو كان حد الاسم هذا؛ لكان الاسم غير المسمى؛ لأن الدليل غير المدلول. ولو كان مشتقا من السمة لكان أصله وسم، لا سمو، وحينئذ يكون في التصغير وسيم لا سمي وفي الجمع أوسام لا أسماء.
20 -
قال: " كان سجود الملائكة لله وآدم قبلة، وقيل سجد الملائكة وآدم لله، وقيل أقروا له أنه خيرهم ".
قلت: هذا كله خلاف مدلول قوله: {اسجدوا لآدم} وخلاف النقل الصحيح، والأولى أن يقول: كان سجود التعظيم لا العبادة، ثم نسخ
पृष्ठ 85
في شرعنا. والله أعلم.
21 -
قال: " سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله كما يقال: يا خبيث ويا فاسق ولا ينصرف لاجتماع العجمة والمعرفة ".
पृष्ठ 86