بِسم الله الرَّحِم الرَّحِيم
هَذِه مسَائِل مُتَعَلقَة ب من الشّرطِيَّة وَغَيرهَا من أَسمَاء الشَّرْط وَقع الْبَحْث فِيهَا بيني وَبَين الْعَلامَة تَقِيّ الدّين أبي الْحسن السُّبْكِيّ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
الْمَسْأَلَة الأولى
أَنه ﵀ قَالَ أَجمعُوا على اسمية من الشّرطِيَّة وحرفية إِن الشّرطِيَّة فَكيف يخْتَلف نوعا الْكَلِمَة بالاسمية والحرفية مَعَ تساويهما فِي الْمَفْهُوم
فَقلت ليستا سَوَاء وَلَا ترادف بَينهمَا بل كلمة إِن دَالَّة على شَيْء وَاحِد وَهُوَ الشَّرْط أَعنِي عقد السَّبَبِيَّة والمسببية بَين الجملتين اللَّتَيْنِ بعْدهَا دَالَّة على معنى فِي غَيرهَا وَلَا دلَالَة فِيهَا على غير ذَلِك فَلذَلِك كَانَت حرفا وَأما من الشّرطِيَّة فَإِنَّهَا دَالَّة على شَيْئَيْنِ
أَحدهمَا الشَّخْص الْعَاقِل وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى الَّذِي فِيهِ اسْم لِأَنَّهُ
1 / 33
معنى فِي نَفسهَا كَمَا فِي قَوْلك إِنْسَان وَهُوَ مَعْنَاهَا الوضعي
الثَّانِي معنى الشّرطِيَّة الَّذِي شرحناه وَهُوَ معنى عرض لَهَا لتضمنها معنى إِن الشّرطِيَّة وَلِهَذَا تسمع النَّحْوِيين يَقُولُونَ إِن أَسمَاء الشَّرْط بنيت لتضمنها معنى الْحَرْف وَلم يلْزم من دلالتها على هَذَا الْمَعْنى أَن تكون حرفا لِأَن الْحَرْف مَا دلّ على معنى فِي غَيره وَلم يدل على معنى فِي نَفسه
وَأما قَول كثير من النَّحْوِيين الْحَرْف مَا دلّ على معنى فِي غَيره فمنتقض بأسماء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام وَالصَّوَاب أَن يُقَال مَا دلّ على معنى فِي غَيره فَقَط كَمَا قَالَ الْجُزُولِيّ وَغَيره من الْمُحَقِّقين
وَالْحَاصِل أَن الِاسْم نَوْعَانِ دَال على معنى فِي نَفسه فَقَط ودال على معنى فِي غَيره وَأَن الْحَرْف نوع وَاحِد وَهُوَ الدَّال على معنى فِي غَيره فَقَط
وَلكَون أَسمَاء الشَّرْط فِي قُوَّة كَلِمَتَيْنِ بَطل الِاسْتِدْلَال بهَا على صِحَة دَعْوَى الترافع وَحَقِيقَة هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الْكُوفِيّين زَعَمُوا أَن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ترافعا أَي كل مِنْهُمَا رفع صَاحبه وَأورد عَلَيْهِ أَصْحَابنَا باستلزامه أَن يكون كل مِنْهُمَا مُسْتَحقّا للتقديم وَالتَّأْخِير لما علم من أَن
1 / 34
الْعَامِل رتبته التَّقْدِيم والمعمول رتبته التَّأْخِير فَأَجَابُوا بِأَن هَذَا مُشْتَرك الْإِلْزَام لاتفاقنا على أَن أيا فِي نَحْو ﴿أيا مَا تدعوا﴾ نصب ب تدعوا وَأَن تدعوا جزم بِهِ وكما تصور فِي غير هَذَا الْبَاب كَون كل من الشَّيْئَيْنِ عَاملا فِي الآخر ومعمولا لَهُ كَذَلِك يَسْتَقِيم هُنَا أَلا ترى أَنَّهَا دَالَّة على مَعْنَاهَا الوضعي الَّذِي هِيَ بِهِ اسْم وعَلى معنى آخر تضمنا وَهُوَ معنى الشَّرْط ف أيا جزمت بِمَا فِيهَا من معنى الشَّرْط وأيا نصبت بِمَا فِيهَا من معنى الِاسْم وَأما الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فَكل مِنْهُمَا كلمة وَاحِدَة لفظا وتقديرا
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى احتجت الْحَنَفِيَّة على أَن لَا قِرَاءَة على الْمَأْمُوم بِالْحَدِيثِ من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة وَأجِيب بِأَن الضَّمِير فِي لَهُ رَاجع إِلَى الإِمَام لَا إِلَى من الَّتِي هِيَ وَاقعَة على الْمَأْمُوم وَإِن الْمَعْنى من كَانَ لَهُ إِمَام فعلية أَن يقْرَأ لِأَن قِرَاءَة الإِمَام للْإِمَام لَا للْمَأْمُوم وَالْإِمَام وَهَذَا التَّأْوِيل بعيد جدا وَذَلِكَ ظَاهر لكل أحد وفاسد فِي الْعَرَبيَّة وَذَلِكَ لِأَن الضَّمِير إِذا لم يكن عَائِدًا إِلَى من لزم خلو الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير يعود على الْمخبر عَنهُ
فَقلت الصَّحِيح أَن خبر اسْم الشَّرْط هُوَ جملَة الشَّرْط لَا جملَة
1 / 35
الْجَواب وَهَذَا يتَبَادَر إِلَى ذهن من لَا يتَأَمَّل إِلَى دَفعه مُعْتَمدًا على أَن الْفَائِدَة إِنَّمَا تتمّ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ محط الْفَائِدَة وَجَوَاب هَذَا التَّوَهُّم أَن الْفَائِدَة إِنَّمَا توقفت على الْجَواب من حَيْثُ التَّعْلِيق لَا من حَيْثُ الخبرية لِأَن من اسْم للشَّخْص الْعَاقِل وضمنت معنى الشَّرْط كَمَا قدمنَا
فَإِذا قيل من يقم أقِم مَعَه كَانَ من يقم مَعَ قطع النّظر عَمَّا ضمنته من من معنى الشَّرْط بِمَنْزِلَة قَوْلك شخص عَاقل يقوم وَهَذَا لَا شكّ فِي تَمَامه فَلَمَّا ضمن معنى الشَّرْط توقف مَعْنَاهُ على ذَلِك الْجَواب فَمن هُنَا جَاءَ النَّقْص لَا من جِهَة الْمَعْنى الإسنادي
ويوضح أَنا نعلم أَن الْكَلَام يتألف من الْمسند والمسند إِلَيْهِ فَإِذا قيل قَامَ زيد كَانَ مُشْتَمِلًا على الْمسند والمسند إِلَيْهِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ يشْهد لما تقدم ذكره من أَن الْخَبَر هُوَ فعل الشَّرْط لَا فعل الْجَواب وَلَا تفْتَقر صِحَة الْكَلَام إِلَى ضمير يرجع من الْجَواب إِلَى الشَّرْط الحَدِيث الَّذِي أخرجه الإِمَام أَحْمد من ملك ذَا رحم محرم فَهُوَ حر فَإِن الضَّمِير من قَوْله هُوَ حر إِنَّمَا يعود على الْمَمْلُوك لَا إِلَى من الْوَاقِعَة على الْمَالِك
1 / 36
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَقد جرى ذكر مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ صَاحب أبي حنيفَة ﵁ أَي عَبِيدِي ضربك فَهُوَ حر وَأي عَبِيدِي ضَربته فَهُوَ حر وَأَن فِي الْمَسْأَلَة الأولى إِذا ضرب الْجَمِيع عتق الْجَمِيع وَفِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ضرب هُوَ الْجَمِيع لم يعْتق إِلَّا وَاحِد مِنْهُم وَجرى ذكر كَلَام أبي الْفَتْح بن جني فِي الْمَسْأَلَة وَأَنه وَجههَا بِأَن الْفِعْل وَالْفَاعِل كالكلمة الْوَاحِدَة لتلازمهما وَلَا كَذَلِك الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَإِذا كَانَ كَذَلِك فيسري عُمُوم
1 / 37
الْفَاعِل إِلَى الْفِعْل وَلَا يلْزم أَن يسري عُمُوم الْمَفْعُول إِلَى الْفِعْل وَلَا شُبْهَة فِي أَن الْفَاعِل فِي الْمَسْأَلَة الأولى عَام وَهُوَ ضمير أَي وَإِنَّمَا كَانَت عَامَّة لإضافتها إِلَى العبيد وَهُوَ عَام وَإِنَّمَا كَانَ عَاما لِأَنَّهُ جمع مُضَاف وَأما الْفَاعِل فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ خَاص وَهُوَ ضمير الْمُخَاطب فَلَا عُمُوم حِينَئِذٍ فِي الْفِعْل بل هُوَ مُطلق لِأَنَّهُ نكرَة فِي الْإِثْبَات وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة نظر لَكِن الْإِقْدَام على مُحَمَّد بن الْحسن من الْفُقَهَاء وَابْن جني من النَّحْوِيين لَيْسَ بالسهل
فَقلت قد اعْترض عَلَيْهِمَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَالك فَقَالَ لَا فرق بَين الصُّورَتَيْنِ وَالْفِعْل فيهمَا عَام وَالضَّمِير للْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي ذَلِك على حد سَوَاء وَاسْتدلَّ بقول الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ ﵁ يُخَاطب النَّبِي ﷺ
(وَمَا كنت دون امرىء مِنْهُمَا ... وَمن تخْفض الْيَوْم لَا يرفع)
1 / 38
فَإِن من الشّرطِيَّة عَامَّة بالِاتِّفَاقِ مِمَّن يثبت للْعُمُوم صِيغَة
وَالْمرَاد عُمُوم الْفَاعِل قطعا مَعَ أَن الضَّمِير الْعَام إِنَّمَا هُوَ ضمير الْمَفْعُول الْمَحْذُوف إِذْ التَّقْدِير وَمن تخفضه الْيَوْم وَهَذِه الْهَاء عَائِدَة على من وَهُوَ الِاسْم الْعَام وَأما ضمير الْفَاعِل فخاص وَهُوَ ضمير النَّبِي ﷺ وَهُوَ وزان قَوْله أَي عَبِيدِي الَّتِى ادعِي فِيهَا عدم عُمُوم الْفِعْل وَالله تَعَالَى أعلم
1 / 39
مُلْحق فِي دراسة الْخلاف حول خبر اسْم الشَّرْط عرض ومناقشة ونتيجة
1 / 41
خبر اسْم الشَّرْط
١ - الْقَضِيَّة
إِذا وَقع اسْم الشَّرْط مُبْتَدأ فَهَل خَبره جملَة فعل الشَّرْط أَو جملَة الْجَواب أَو هما مَعًا ٢ - الْعرض
رَأْي الْهَرَوِيّ ٤١٥ هـ
قَالَ الْهَرَوِيّ فِي كِتَابه الأزهية فِي علم الْحُرُوف ص ١٠٠ اعْلَم أَن من على أَرْبَعَة أوجه
تكون جَزَاء كَقَوْلِك من يكرمني أكْرمه وَمَا أشبه ذَلِك ف من مُبْتَدأ وَهُوَ شَرط ويكرمني جزم بِالشّرطِ وأكرمه جَوَابه وهما جَمِيعًا خبر من
رَأْي ابْن يعِيش ٦٤٣ هـ
قَالَ ابْن يعِيش فِي شَرحه على الْمفصل للزمخشري ٧ / ٤٤ تَقول ايهم يأتني آته وأيهم يحسن إِلَيّ أحسن إِلَيْهِ ترفع ايا بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بعْدهَا من الشَّرْط وَالْجَزَاء خبر
رَأْي ابْن هِشَام ٧٦١ هـ
أَشَارَ ابْن هِشَام إِلَى اخْتِلَاف النُّحَاة بَين كَون خبر اسْم الشَّرْط
1 / 43
الْوَاقِع مُبْتَدأ هُوَ جملَة الْجَواب وَكَونه جملَة الشَّرْط فَقَالَ فِي مَبْحَث من فِي كِتَابه مُغنِي اللبيب ص ٤٣٣ تَقول من يكرمني أكْرمه فتحتمل من الْأَوْجه الْأَرْبَعَة فَإِن قدرتها شَرْطِيَّة جزمت الْفِعْلَيْنِ أَو مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة رفعتهما أَو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثَّانِي لِأَنَّهُ جَوَاب بِغَيْر الْفَاء وَمن فِيهِنَّ مُبْتَدأ وَخبر الاستفهامية الْجُمْلَة الأولى والموصولة أَو الموصوفة الْجُمْلَة الثَّانِيَة والشرطية الأولى أَو الثَّانِيَة على خلاف فِي ذَلِك
ثمَّ ذكر ابْن هِشَام رَأْيه صَرِيحًا فِي مَبْحَث إِعْرَاب أَسمَاء الشَّرْط والاستفهام فِي الْمُغنِي ٦٠٧ فَقَالَ وَالأَصَح أَن الْخَبَر فعل الشَّرْط لَا فعل الْجَواب وَهُوَ يُرِيد جملَة فعل الشَّرْط
وَفصل الحَدِيث فِي تَنْبِيه مُسْتَقل الْمُغنِي ٦٠٨ فَقَالَ وَإِذا وَقع اسْم الشَّرْط مُبْتَدأ فَهَل خَبره فعل الشَّرْط وَحده لِأَنَّهُ اسْم تَامّ وَفعل الشَّرْط مُشْتَمل على ضَمِيره فقولك من يقم لَو لم يكن فِيهِ معنى الشَّرْط لَكَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك كل من النَّاس يقوم أَو فعل الْجَواب لِأَن الْفَائِدَة بِهِ تمت ولالتزامهم عود الضَّمِير مِنْهُ إِلَيْهِ على الْأَصَح وَلِأَن نَظِيره هُوَ الْخَبَر فِي قَوْلك الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم أَو مجموعهما لِأَن قَوْلك من يقم أقِم مَعَه بِمَنْزِلَة قَوْلك كل من النَّاس إِن يقم أقِم مَعَه وَالصَّحِيح الأول وَإِنَّمَا توقفت الْفَائِدَة على الْجَواب من حَيْثُ التَّعَلُّق فَقَط لَا من حَيْثُ الخبرية
وَقَالَ فِي المباحث المرضية انْظُر مَا سبق فِي ص ٣٥ الصَّحِيح أَن خبر اسْم الشَّرْط هُوَ جملَة الشَّرْط لَا جملَة الْجَواب وَهَذَا يتَبَادَر إِلَى ذهن من لَا يتَأَمَّل إِلَى دَفعه مُعْتَمدًا على أَن الْفَائِدَة إِنَّمَا تتمّ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ محط الْفَائِدَة وَجَوَاب هَذَا التَّوَهُّم أَن الْفَائِدَة إِنَّمَا توقفت على الْجَواب من حَيْثُ التَّعْلِيق لَا من حَيْثُ الخبرية لِأَن من اسْم
1 / 44
للشَّخْص الْعَاقِل وضمنت معنى الشَّرْط كَمَا قدمنَا فَإِذا قيل من يقم أقِم مَعَه كَانَ من يقم مَعَ قطع النّظر عَمَّا ضمنته من من معنى الشَّرْط بِمَنْزِلَة قَوْلك شخص عَاقل يقوم وَهَذَا لَا شكّ فِي تَمَامه فَلَمَّا ضمن معنى الشَّرْط توقف مَعْنَاهُ على ذَلِك الْجَواب فَمن هُنَا جَاءَ النَّقْص لَا من جِهَة الْمَعْنى الإسنادي
ويوضح أَنا نعلم أَن الْكَلَام يتألف من الْمسند والمسند إِلَيْهِ فَإِذا قيل قَامَ زيد كَانَ مُشْتَمِلًا على الْمسند والمسند إِلَيْهِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ يشْهد لما تقدم ذكره من أَن الْخَبَر هُوَ فعل الشَّرْط لَا فعل الْجَواب وَلَا تفْتَقر صِحَة الْكَلَام إِلَى ضمير يرجع من الْجَواب إِلَى الشَّرْط الحَدِيث الَّذِي أخرجه الإِمَام أَحْمد من ملك ذَا رحم محرم فَهُوَ حر فَإِن الضَّمِير من قَوْله هُوَ حر إِنَّمَا يعود على الْمَمْلُوك لَا إِلَى من الْوَاقِعَة على الْمَالِك
رَأْي السُّيُوطِيّ ٩١١ هـ
ذكر السُّيُوطِيّ مَسْأَلَة فِي إِعْرَاب أَسمَاء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام فِي كِتَابه همع الهوامع ٢ / ٦٤ قَالَ فِيهَا إِن اسْم الشَّرْط من فِي نَحْو من يقم أقِم مَعَه مُبْتَدأ خَبره فعل الشَّرْط وَفِيه ضميرها وَقيل هُوَ وَالْجَوَاب مَعًا لِأَن الْكَلَام لَا يتم إِلَّا بِالْجَوَابِ فَكَانَ دَاخِلا فِي الْخَبَر ورد بِأَنَّهُ أَجْنَبِي من الْمُبْتَدَأ
رَأْي الصبان ١٢٠٩ هـ
قَالَ الصبان فِي حَاشِيَته على شرح الأشموني لألفية ابْن مَالك ٣ / ٥٠ إِن وَقع بعد اسْم الشَّرْط فعل لَازم نَحْو من يقم أقِم مَعَه فَهُوَ مُبْتَدأ خَبره فعل الشَّرْط لِأَن قَوْلك من يقم لَو خلا عَن معنى الشَّرْط بِمَنْزِلَة قَوْلك كل من النَّاس يقوم ثمَّ قَالَ وَقيل هُوَ وَالْجَوَاب لِأَن الْكَلَام لَا يتم إِلَّا بِالْجَوَابِ فَكَانَ دَاخِلا فِي الْخَبَر وَقيل الْجَواب لِأَن
1 / 45
الْفَائِدَة بِهِ تمت ورد بِأَنَّهُ أَجْنَبِي من الْخَبَر وَفِيه نظر وَبِأَن توقف الْفَائِدَة عَلَيْهِ من حَيْثُ التَّعْلِيق لَا من حَيْثُ الخبرية
رَأْي الخضري ١٢٨٧ هـ
قَالَ الخضري فِي حَاشِيَته على شرح ابْن عقيل للألفية ٢ / ١٢١ إِن جَوَاب الشَّرْط إِن كَانَ مضارعا أَو مَاضِيا خَالِيا عَن الْفَاء فالفعل نَفسه مجزوم لفظا أَو محلا وَلَا مَحل لجملته كجملة الشَّرْط لأخذ الْجَازِم مُقْتَضَاهُ فَلَا يتسلط على مَحل الْجُمْلَة وَإِن كَانَ غير ذَلِك مِمَّا يقْتَرن بِالْفَاءِ اَوْ إِذا الفجائية فمجموع الْجُمْلَة مَعَ الْفَاء أَو إِذا فِي مَحل جزم لِأَنَّهُ لَو وَقع موقعه فعل يقبل الْجَزْم لجزم فَلَا يتسلط الْجَازِم على أَجزَاء الْجُمْلَة هَذَا مَا فِي الْمُغنِي والكشاف وَقَالَ الدماميني وَأقرهُ الشمني الْحق أَن جملَة الْجَواب لَا مَحل لَهَا مُطلقًا إِذْ كل جملَة لَا تقع موقع الْمُفْرد لَا مَحل لَهَا وَلَا يُقَال إِنَّهَا وَاقعَة موقع الْمُفْرد وَهُوَ الْفِعْل الْقَابِل للجزم لِأَنَّهَا لم تقع موقعه وَحده بل مَعَ فَاعله الَّذِي يتم الْكَلَام بِهِ كَمَا يتم بِهَذِهِ الْجُمْلَة فَتَأمل فعلى الأول لَو كَانَ اسْم الشَّرْط مُبْتَدأ كَانَت جملَة الْجَواب فِي نَحْو من يقم فَإِنِّي أكْرمه فِي مَحل جزم وَرفع باعتباري الشَّرْط والخبرية بِنَاء على أَن الْجَواب هُوَ الْخَبَر وعَلى الثَّانِي مَحل الخبرية فَقَط كهي كَذَا فِي نَحْو من يقم أكْرمه اتِّفَاقًا لظُهُور أثر الشَّرْط فِي الْفِعْل
ثمَّ قَالَ فَإِن كَانَ فعل الشَّرْط لَازِما نَحْو من يقم اضربه فَهِيَ مُبْتَدأ وَكَذَا إِن كَانَ مُتَعَدِّيا وَاقعا على أَجْنَبِي مِنْهَا نَحْو من يعْمل سوءا يجز بِهِ وَخَبره إِمَّا جملَة الشَّرْط أَو الْجَواب أَو هما مَعًا أَقْوَال
رَأْي الغلاييني ١٣٦٤ هـ
قَالَ الغلاييني فِي كِتَابه جَامع الدُّرُوس الْعَرَبيَّة ٢ / ٢٠٩
1 / 46
وَمن وَمَا وَمهما إِن كَانَ فعل الشَّرْط يطْلب مَفْعُولا بِهِ فَهِيَ مَنْصُوبَة محلا على أَنَّهَا مفعول بِهِ لَهُ وَإِن كَانَ لَازِما أَو مُتَعَدِّيا استوفى مَفْعُوله فَهِيَ مَرْفُوعَة محلا على أَنَّهَا مُبْتَدأ وَجُمْلَة الشَّرْط خَبره نَحْو مَا يجىء بِهِ الْقدر فَلَا مفر مِنْهُ
رَأْي مُحَمَّد مُحي الدّين عبد الحميد ١٣٩٣ هـ
قَالَ فِي هِدَايَة السالك إِلَى تَحْقِيق أوضح المسالك فِي إعرابه للشَّاهِد ٢٥٥ وَهُوَ
من أمكُم لرغبة فِيكُم جبر ... وَمن تَكُونُوا ناصريه ينتصر
من اسْم شَرط جازم يجْزم فعلين وَهُوَ مُبْتَدأ مَبْنِيّ على السّكُون فِي مَحل رفع وجملتا الشَّرْط وَالْجَوَاب فِي العبارتين فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ اسْم الشَّرْط فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِعْرَاب الشَّاهِد ٤٧٥ وَهُوَ
من تثقفن مِنْهُم فَلَيْسَ بآيب
وَجُمْلَة الشَّرْط وَجَوَابه فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ اسْم الشَّرْط
رَأْي عَبَّاس حسن
قَالَ عَبَّاس حسن فِي كِتَابه النَّحْو الوافي ٤ / ٤١٨ أما الْجُمْلَة الشّرطِيَّة كَامِلَة فَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب إِلَّا فِي حالتين الأولى أَن تكون أَدَاة الشَّرْط هِيَ إِذا الثَّانِيَة أَن تكون أَدَاة الشَّرْط هِيَ الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة هِيَ الْخَبَر عِنْد من يَجْعَلهَا خَبرا وَهُوَ الْأَرْجَح وتابع قَوْله فِي الْحَاشِيَة وَتَكون من نوع الْخَبَر الَّذِي لَا يتمم الْمَعْنى بِنَفسِهِ مُبَاشرَة مَعَ الْمُبْتَدَأ وَإِنَّمَا يتممه بمساعدة شَيْء آخر يتَّصل بِهِ وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة لَا تتممه إِلَّا بملاحظة الْجُمْلَة الجوابية المترتبة عَلَيْهَا
1 / 47
رَأْي سعيد الأفغاني
قَالَ فِي كِتَابه مذكرات فِي قَوَاعِد اللُّغَة الْعَرَبيَّة ص ٤٣ وَهُوَ يتحدث عَن من مَا مهما وتعرب مَفْعُولا بهَا إِن كَانَ فعل الشَّرْط مُتَعَدِّيا لم يسْتَوْف مفعولاته وَإِلَّا أعربت مُبْتَدأ خَبره جملَة جَوَاب الشَّرْط
وَقَالَ فِي الْحَاشِيَة جُمْهُور النُّحَاة على غير هَذَا فأكثرهم يَجْعَل جملَة فعل الشَّرْط هِيَ الْخَبَر وَبَعْضهمْ يَجْعَل الشَّرْط وجزاءه هُوَ الْخَبَر لَكِن الْمَعْنى وَهُوَ الْمُحكم فِي كل خلاف ينصر مَا أَثْبَتْنَاهُ لِأَنَّك إِذا حولت صِيغَة الْجُمْلَة الشّرطِيَّة من يُسَافر يبتهج إِلَى جملَة اسمية قلت الْمُسَافِر مبتهج وَمَا اسْم الشَّرْط هُنَا إِلَّا اسْم مَوْصُول أضيف إِلَيْهِ معنى الشَّرْط ففك صلته بِفِعْلِهِ لفظا لَا معنى ٣ - خُلَاصَة ومناقشة
خُلَاصَة مَا يتَحَصَّل مِمَّا عرضناه من أَقْوَال النُّحَاة وَمِمَّا لم نعرضه من أَقْوَال مشابهة أَنه إِذا وَقع اسْم الشَّرْط مُبْتَدأ فَفِي خَبره عِنْدهم ثَلَاثَة آراء
أَحدهَا أَن جملتي الشَّرْط وَالْجَوَاب مَعًا هما الْخَبَر
ثَانِيهَا أَن جملَة الْجَواب هِيَ الْخَبَر
ثَالِثهَا أَن جملَة الشَّرْط هِيَ الْخَبَر
وَلَا شكّ أَن لكل من هَذِه الآراء حجَّته وَدَلِيله وَنحن لن نبادر إِلَى مناقشة هَذِه الآراء لأننا لن نصل فِي موضوعها إِلَى رَأْي وَاضح نجزم بِهِ إِلَّا إِذا عرفنَا سَبَب الْخلاف الَّذِي أدّى بهم إِلَى تبَاين الآراء وَاخْتِلَاف النتائج
وَسبب الْخلاف فِيمَا نرى هُوَ اخْتِلَاف منطلقاتهم وتباين آرائهم
1 / 48
فِي تَحْدِيد معنى الْجُمْلَة فهم لم يحددوا مفهومها وَلم يتفقوا عَلَيْهِ وهم لَو فعلوا لزال الْخلاف فِيمَا بَينهم ولقاربوا الْإِجْمَاع أَو مَا يُشبههُ
لقد كَانَت دراسة الْجُمْلَة موزعة بَين علمي النَّحْو والمعاني وَكَانَ جلّ انصراف النَّحْوِيين إِلَى الْمُفْردَات وأحكامها والحروف ومعانيها والعوامل وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا وَأما الْجُمْلَة فَلم يمسوها إِلَّا مسا رَفِيقًا وَمن نَاحيَة إعرابها وتأويلها بالمفرد أَو عَدمه وهم لَو درسوا الْجُمْلَة بالتفصيل الَّذِي بسطوه فِي دراسة الْمُفْردَات لَكَانَ للدراسة اللُّغَوِيَّة والنحوية من بحوثهم خير كثير
لقد كَانَ من النَّحْوِيين من نظر إِلَى الْكَلَام وَالْجُمْلَة على أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَقد صرح الزَّمَخْشَرِيّ بذلك فِي كِتَابه الْمفصل فَقَالَ وَالْكَلَام هُوَ الْمركب من كَلِمَتَيْنِ أسندت إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى وَيُسمى الْجُمْلَة
وعلق ابْن يعِيش فِي شَرحه للمفصل على كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فَقَالَ إِنَّه يُرِيد الْكَلَام الَّذِي تَنْعَقِد بِهِ الْفَائِدَة ثمَّ رَاح يفرق بَين الْكَلَام وَالْقَوْل والكلم وَالْجَوَاب وَقَالَ إِن الْكَلَام هُوَ عبارَة عَن الْجمل المفيدة
وَغير خَافَ أَن جعله الْجُمْلَة بِمَعْنى الْكَلَام وَكَون الْكَلَام عِنْدهم هُوَ الْمُفِيد هُوَ الَّذِي دَفعه وَغَيره إِلَى جعل فعل الشَّرْط وَجَوَابه مَعًا هما خبر اسْم الشَّرْط لِأَن الْمَعْنى لَا يتم إِلَّا بِالْجَوَابِ
1 / 49
وَلَكِن كثيرين من النُّحَاة لَا يرَوْنَ هَذَا الرَّأْي بل يفرقون بَين الْكَلَام وَالْجُمْلَة فَالْكَلَام هُوَ مَا تتمّ بِهِ الْفَائِدَة وَقد صرح بذلك ابْن مَالك فَقَالَ فِي ألفيته
كلامنا لفظ مُفِيد كاستقم
يَعْنِي بقوله كلامنا الْكَلَام عِنْد معاشر النَّحْوِيين وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ ابْن عقيل عِنْد شَرحه بَيت ابْن مَالك فَقَالَ إِن ابْن مَالك قَالَ كلامنا لِأَن الْكَلَام عِنْد اللغويين هُوَ اسْم لكل مَا يتَكَلَّم بِهِ مُفِيدا كَانَ أَو غير مُفِيد وَبِذَلِك بَين ابْن مَالك وَابْن عقيل الْفرق بَين مَفْهُوم الْكَلَام عِنْد كل من النَّحْوِيين واللغويين وأوضحا أَن الْكَلَام فِي مصطلح النَّحْوِيين هُوَ الْمُفِيد
ويؤكد ذَلِك مَا نَقله الزبيدِيّ فِي تَاج الْعَرُوس كلم عَن شَيْخه من أَن الْكَلَام يُطلق على اللَّفْظ الْمركب أَفَادَ أم لَا مجَازًا على مَا صرح بِهِ سِيبَوَيْهٍ فِي مَوَاضِع من كِتَابه من أَنه لَا يُطلق حَقِيقَة إِلَّا على الْجمل المفيدة وَهُوَ مَذْهَب ابْن جني
وَأما الْجُمْلَة عِنْد جُمْهُور النُّحَاة فتعبير صناعي أَو مصطلح نحوي لعلاقة إسنادية بَين اسْمَيْنِ أَو اسْم وَفعل تمت الْفَائِدَة بهَا أم لم تتمّ وَلذَلِك فَهِيَ أَعم من الْكَلَام وَالْكَلَام أخص مِنْهَا قَالَ ابْن هِشَام الْكَلَام فِي اصْطِلَاح النَّحْوِيين عبارَة عَمَّا اجْتمع فِيهِ أَمْرَانِ اللَّفْظ والإفادة وَالْمرَاد بالمفيد مَا دلّ على معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ وَفصل ابْن هِشَام ذَلِك فِي الْجُزْء الثَّانِي من كِتَابه مُغنِي اللبيب فِي بَاب عقده للجملة عنوانه شرح الْجُمْلَة وَبَيَان أَن الْكَلَام أخص مِنْهَا لَا
1 / 50
مرادف لَهَا قَالَ فِيهِ الْكَلَام هُوَ القَوْل الْمُفِيد بِالْقَصْدِ وَالْمرَاد بالمفيد مَا دلّ على معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة عبارَة عَن الْفِعْل وفاعله والمبتدأ وَخَبره وَمَا كَانَ بِمَنْزِلَة أَحدهمَا وَبِهَذَا يظْهر لَك أَنَّهُمَا ليسَا مترادفين كَمَا يتَوَهَّم كثير من النَّاس وَهُوَ ظَاهر قَول صَاحب الْمفصل فَإِنَّهُ بعد أَن فرغ من حد الْكَلَام قَالَ وَيُسمى جملَة
وَالصَّوَاب أَنَّهَا أَعم مِنْهُ إِذْ شَرطه الإفادة بِخِلَافِهَا وَلِهَذَا تسمعهم يَقُولُونَ جملَة الشَّرْط جملَة الْجَواب جملَة الصِّلَة وكل ذَلِك لَيْسَ مُفِيدا فَلَيْسَ بِكَلَام
وَالْجُمْلَة لُغَة جمَاعَة الشَّيْء قَالَ الزبيدِيّ فِي تَاج الْعَرُوس جمل وَمِنْه أَخذ النحويون الْجُمْلَة لمركب من كَلِمَتَيْنِ أسندت إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي الكليات وَالْجُمْلَة أَعم من الْكَلَام على الِاصْطِلَاح الْمَشْهُور وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا أَو وَصفا أَو حَالا أَو شرطا أَو صلَة أَو نَحْو ذَلِك هِيَ جملَة وَلَيْسَت بِكَلَام لِأَن إسنادها لَيْسَ مَقْصُودا لذاته
وَمن عدم التَّفْرِيق بَين معنى الْكَلَام عِنْد اللغويين وَمَعْنَاهُ عِنْد النَّحْوِيين يَتَّضِح لنا سَبَب النَّقْد الَّذِي وَجهه الدكتور المَخْزُومِي فِي غير حق لِابْنِ هِشَام
1 / 51
وَإِذا لم يكن ثمَّة اتِّفَاق على المصطلح كَانَ طبيعيا أَن تخْتَلف النتائج وَلَا يَصح لنا الحكم على آراء النَّحْوِيين فِي تعْيين الْخَبَر مَا دَامَ جملَة مَا لم نَنْظُر إِلَيْهِ فِي ضوء مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من معنى الْجُمْلَة
وَمن الْوَاضِح فِي ضوء مَا قرروه أَن الْجُمْلَة قد تكون مفيدة فتسمى كلَاما وَقد تكون غير مفيدة فَتكون إِذْ ذَاك عبارَة عَن علاقَة إسنادية بَين كَلِمَتَيْنِ وكل كَلِمَتَيْنِ أسندت إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى فَإِذا أفادتا معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ كَانَتَا جملَة وكلاما وَإِذا لم تفيدا كَانَتَا جملَة فَحسب
وَمِمَّا يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي هَذَا المجال أَن كثيرا مِمَّا يُفِيد لَا تتمّ فَائِدَته إِلَّا بمتبوعه أَو بلازمه أَو باتصاله بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَهَل نقُول إِن قَوْلنَا جَاءَ الَّذِي قَرَأَ الصَّحِيفَة جملَة وَاحِدَة لِأَن الْفَائِدَة لَا تتمّ عِنْد قَوْلنَا الَّذِي وَهُوَ الْفَاعِل الَّذِي أسندنا الْمَجِيء إِلَيْهِ وَمن من النَّحْوِيين حَتَّى الَّذين جعلُوا الْكَلَام مرادفا للجملة يعرب مثالنا السَّابِق على أَنه جملَة
1 / 52
وَاحِدَة وَمن مِنْهُم لَا يرى فِيهِ جملتين هما الْجُمْلَة الابتدائية جَاءَ الَّذِي وَجُمْلَة الصِّلَة قَرَأَ الصَّحِيفَة
وَقس على هَذَا كل الْجمل الَّتِي يكون الِاسْم الْمَوْصُول فِيهَا فَاعِلا أَو خَبرا وَهِي جمل لَا تتمّ بهَا الْفَائِدَة إِلَّا إِذا أتبعت بجمل أُخْرَى هِيَ صلَاتهَا وهم يسمونها جملا
وَكَذَلِكَ الْأَمر فِي الْجُمْلَة الْوَاقِعَة صفة لخَبر نكرَة فِي مثل قَوْلنَا أَنا رجل أحب الْعلم وَنحن قوم نحب الْخَيْر أَلَيْسَ قَوْلنَا مؤلفا من جملتين وَأي فَائِدَة فِي الْجُمْلَة الأولى أَنا رجل وَنحن قوم وَإِذا أفادت إِحْدَى هَاتين الجملتين معنى مَا هُوَ أقرب إِلَى اللَّغْو مِنْهُ إِلَى الْكَلَام الْمُفِيد فَهَل هُوَ الْمَعْنى المُرَاد وَهل يكتمل معنى الْخَبَر إِلَّا بِصفتِهِ الَّتِي هِيَ الْجُمْلَة الثَّانِيَة أحب الْعلم ونحب الْخَيْر
فِي ضوء هَذَا الْفَهم لِمَعْنى الْكَلَام وَالْجُمْلَة نَنْظُر فِي آراء النَّحْوِيين السالفة فنرى ١ - أَن القَوْل الأول وَهُوَ أَن جملتي الشَّرْط وَالْجَوَاب مَعًا هما الْخَبَر قَول عَجِيب لِأَنَّهُ يَجْعَل من الجملتين جملَة وَاحِدَة وَهُوَ مُنَاقض لما اصْطلحَ جمهورهم عَلَيْهِ من كَون الْجُمْلَة مُسْندًا وَمُسْندًا إِلَيْهِ ثمَّ هُوَ مُنَاقض لأصولهم فِي أَن الْجُمْلَة ذَات الْمحل يجب أَن تكون صَالِحَة لإحلال الْمُفْرد محلهَا واي مُفْرد يصلح مَكَان الشَّرْط وَجَوَابه فِي وَقت وَاحِد
إننا إِذا قُلْنَا إِن قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يقترف حَسَنَة نزد لَهُ فِيهَا حسنا﴾ تَقْدِيره المقترف الْحَسَنَة مزِيد لَهُ فِيهَا وَإِن قَوْلنَا من يجْتَهد ينجح تَقْدِيره الْمُجْتَهد ناجح وَنحن لَا نرى هَذَا التَّقْدِير
1 / 53
صَحِيحا لِأَنَّهُ يلغي معنى الشَّرْط وَهُوَ مُرَاد أصلا فَأَي الْكَلِمَتَيْنِ مزِيد وناجح نابت مناب الجملتين
ثمَّ إِذا كَانَت جملَة جَوَاب الشَّرْط مقترنة بِالْفَاءِ أَو إِذا الفجائية فهم على أَنَّهَا فِي مَحل جزم فَكيف تكون كَذَلِك ثمَّ تكون فِي الْوَقْت نَفسه دَاخِلَة مَعَ أُخْتهَا جملَة الشَّرْط فِي مَحل الرّفْع على الخبرية
ولننظر أخيرا هَل بَين النَّحْوِيين من يعد جملتي الشَّرْط وَالْجَوَاب جملَة وَاحِدَة كَمَا يرى الدكتور المَخْزُومِي ليستقيم لأَصْحَاب هَذَا القَوْل حكمهم
لقد وقف النحويون عِنْد أبسط صُورَة من صور تركيب الْكَلِمَات فأطلقوا عَلَيْهَا لفظ الْجُمْلَة وعرفوها بِأَنَّهَا تركيب من كَلِمَتَيْنِ أسندت إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى
وَحين فصل ابْن هِشَام حَدِيثه عَن الْجُمْلَة فِي بَاب خَاص أفرده لَهَا وَتَنَاول فِيهِ الْجُمْلَة الصُّغْرَى وَالْجُمْلَة الْكُبْرَى وَذَات الْوَجْه وَذَات الْوَجْهَيْنِ لم يخرج عَمَّا اصلوه وَلم يُخَالف مَا اصْطلحَ جمهورهم عَلَيْهِ من مَعْنَاهَا وعد الْكُبْرَى مؤلفة من جملتين فَقَالَ هِيَ الاسمية الَّتِي خَبَرهَا جملَة وَلم نر أحدا من النَّحْوِيين يتحدث عَن جملَة مركبة بل جعلُوا الْكَلَام هُوَ الْمركب وعادوا بِهِ تحليلا وتبسيطا إِلَى جمل بسيطة وَلَعَلَّ أسلوب الشَّرْط أولى الْمَوَاضِع بِحَدِيثِهِمْ عَن الْجُمْلَة المركبة من جملتين لَو أَنَّهَا وجدت أَو جَاءَ ذكرهَا على ألسنتهم ولكننا نراهم يصرحون بِأَن أسلوب الشَّرْط جملتان لَا جملَة وَاحِدَة
قَالَ سِيبَوَيْهٍ ١٨٠ هـ وَاعْلَم أَن حُرُوف الْجَزَاء تجزم الْأَفْعَال وينجزم الْجَواب بِمَا قبله
1 / 54