वैज्ञानिक और सामाजिक चर्चाएँ
مباحث علمية واجتماعية
शैलियों
ثانيا: يوجد في الحي مراكز ثانوية وأعضاء مهمة على جانب من الاستقلال، أشبه بممالك صغيرة في مملكة كبيرة، وهي الأحشاء المختص بها إعداد الغذاء وتطهيره وتوزيعه؛ أعني بها المعدة والرئتين والقلب. فهذه الأحشاء غير خاضعة للعضو المدبر؛ أعني الدماغ. فالمعدة تهضم الطعام، والقلب يوزع الدم في البدن، والرئتان تطهرانه بتعريضه للهواء، أراد الدماغ أم لم يرد. وقد يبلغ استقلال أعضاء التغذية مبلغا عظيما جدا؛ فالأمعاء لا تزال تفعل أفعالها الخاصة ولو قطعت الأعصاب التي توصلها بالدماغ، والقلب لا يزال يضرب بعد نزعه من الجسم، ولا سيما في الحيوانات ذوات الدم البارد، وفي بعض الحيوانات اللبونة أيضا كدب القطب، والكبد لا تزال تفرز الصفراء وتولد السكر بعد ذبح الحيوان ونزف دمه. وقد يكون تركيب بعض الحيوانات السافلة المائية مختلطا جدا، بحيث تشتغل أجزاؤها بعضها لبعض وكلها للكل. ومع ذلك فليس لها جهاز عصبي؛ فهي هنا في غنى عن سلطان مركزي أو قوة خارجة عنها تتولى تدبيرها، وإنما تفعل ذلك من نفسها بناء على ما في العناصر التي تؤلفها من الأفعال الذاتية، أي من قابلية الحس والتهيج؛ ومن ثم من الأميال المنفعية والاشتياقية الموجبة لحصول المبادلة بينها كما يحصل التعاون بين البشر. فوظائف التغذية والنمو تتم بدون توسط الدماغ كما ترى.
وأما وظيفة الدماغ فقاصرة على الأعضاء الظاهرة؛ أي أعضاء النسبة التي بها يعرف الحي الأشياء التي من خارج، فيأمرها بأخذ اللازم منها واتقاء الضار؛ إذ يكون له عليها سلطان يتصرف فيها بحسب مقتضى الحال. فوجود جهاز عصبي، والحالة هذه، له مركز كالدماغ مقتدر على أن يجعل الأعضاء تخضع له خضوعا تاما، لازم لسلامة الحي. على أن الجهاز العصبي نفسه لا يكون دائما خاضعا لسلطان المركز، أعني الدماغ، بل للمراكز العصبية الثانوية. ففي الحشرات كل عقدة تحرك الأطراف المتعلقة بها لمقاومة ما يمانعها، وإذا دهم الإنسان أمر يخشى منه على عينيه، فإن جفنيه ينطبقان للحال بحركة ذاتية؛ أي قبل أن يكون له فرصة للتفكر بالخطر وبكيفية اتقائه، وإذا عثر إلى الأمام فإنه يقعنسس إلى الوراء بحركة ذاتية لمقاومة العثرة، أو إنه يستلقي الأرض بيديه خوفا من السقوط على الأعضاء الرئيسة؛ ليتقي بذلك شرا أكبر بشر أصغر. فنرى مما تقدم أن أعضاء النسبة الظاهرة نفسها تستغني في أحوال خصوصية عن انتظار حكم الدماغ، وتستقل عنه كما تستقل الأعضاء الباطنة. •••
قال الذين يقيمون حدا فاصلا بين الاجتماع والجسم الحي: «إن أفعال أعضاء الاجتماع مغايرة في نوعها لأفعال أعضاء الجسم الحي؛ أعني أن أفعال أعضاء الحي ترتبط بعضها ببعض ارتباطا فزيولوجيا، وأما أفعال الاجتماع فإنها ترتبط بعضها ببعض بالحس والأفكار؛ أي برباط عقلي.» وقال غيرهم: «إن أفعال الفريقين من نوع واحد؛ لأن الكريات الحية التي هي أجزاء الحي، أي أعضاؤه، ليست عديمة الحس، بل بالضد من ذلك هي ذات حس أيضا؛ إذ الحس الذي في الجسم الحي كله إنما هو هذا الحس عينه في حال التزيد والتجمع. فارتباط أعضاء الحي بعضها ببعض ليس بالحصر فزيولوجيا، بل فيه شيء من العقل أيضا وإن يكن في حالة دنيئة جدا؛ ولذا يعتبر ارتباطا عقليا. وهذا ما يجعل علم الاجتماع المعروف بالسوسيولوجيا داخلا في علم الحياة المعروف بالبيولوجيا.» وليس في هذا القول شيء من الغلو والتكلف؛ لأن الحدود المميزة بين العلوم المختلفة كالحدود المميزة بين مواليد الطبيعة، صناعية لا طبيعية. •••
وإذا تأملنا حقيقة الرابط الذي يربط كل اجتماع معا، سواء كان هذا الاجتماع بين كريات الجسم الحي أو بين أفراد الحيوانات أو البشر، وجدنا أنه واحد في الأصل. فالرابط بين الكريات الحية التي يتألف الجسم الحي منها ليس إلا الميل البسيط المغروس في كل شيء لحفظ ذاته أولا؛ لأن كل شيء في الأصل يدور حول مركز نفسه بالشوق الحاصل فيه إليه، وذلك هو محبة الذات المنفردة، ثم يتحول هذا الميل في الكريات إلى ميل مركب لحفظ ذاتها بحفظ ذات سواها؛ لأن اجتماعها بعضها مع بعض اجتماعا بسيطا في أول الأمر لا بد من أن يؤثر في طبيعتها تأثيرا مهما، بحيث تصبح حياة بعضها متوقفة ضرورة على حياة البعض الآخر. فالكرية حينئذ لا تميل لحفظ ذاتها فقط، بل لحفظ علاقتها مع سواها أيضا؛ لأن كل شيء في الفرع يدور حول مركز غيره بالشوق الحاصل فيه إلى مركز نفسه، وذلك هو محبة الذات المشتركة، ثم تتحول هذه المحبة المشتركة العمياء إلى محبة مشتركة عاقلة في أعضاء الاجتماعات التي لها قوة الإدراك، لا الحس والتهيج فقط. •••
واختلفوا في سبب هذه المحبة العاقلة بين الحيوانات المدركة؛ فذهب قوم وفي مقدمتهم سبينوزا إلى أنها مسببة عن اللذة الحاصلة لهذه الحيوانات من مشاهدة صورها في أمثالها؛ بناء على أن اللذة قائمة بسهولة الفعل. قالوا وأسهل الأفعال على الحيوان استحضار صورة على صورته، كما هو مقرر من أن الاستحضار لا يتم بواسطة الدماغ وحده، بل بواسطة كل الجهاز العصبي؛ ولهذا كان الحيوان المدرك إذا أراد أن يتصور هيئة أو أن يتذكر صوتا يشرع في أن يقلد تلك الهيئة ويحاكي ذلك الصوت. ولا ريب أن الحركات والهيئات والأصوات المتعود عليها هي أسهل عليه من سواها مما لم يتعوده، وكلما كانت عنه أبعد كان استحضارها عليه أصعب، فيولد فيه الكراهة لها؛ ولذلك كان القرد يرتعب جدا من رؤية الحرباء. فإذا تكررت هذه اللذة اشتد الشوق لتجديدها حتى ينقلب الشوق مودة، وتصير المودة فزيولوجية بعد أن كانت عقلية، فتنتقل بالوراثة وتؤثر في الأعضاء، بحيث يصير الاجتماع معها ميلا غريزيا، فيولد الحيوان المدرك وصورة أمثاله منطبعة على دماغه، كما يولد الطائر وصورة العش منطبعة على دماغه. ويشتد هذا الميل بالانتخاب الطبيعي حتى يحصل الاجتماع أخيرا بالسليقة الغريزية . •••
وذهب غيرهم وفي مقدمتهم داروين إلى أن هذه المحبة سببها المنفعة. ورد عليهم أصحاب القول الأول بأنه مسلم أن الحي لا يحفظ صفة إن لم يكن له منفعة منها، ولكن قد يحدث أولا أن تنشأ هذه الصفات عن أسباب غير المنفعة؛ فإن الطائر المعروف بالأبتر
Manchots
مثلا إذ يكون على الأرض يصطف بحسب سنه الصغار في جانب والكبار في جانب والإناث في جانب، وتطرد كل فئة الفئة الأخرى عنها، والظاهر أن ذلك حاصل فيه عن لذة اجتماع المثل بمثله لا عن سبب آخر. وثانيا: أن تكون الصفة النافعة في الأحوال العامة مضرة في بعض الأحوال الخاصة؛ فتعشيش بعض أنواع الطيور مثلا بالقرب من مساكن البشر غير مفيد له، وكذلك اجتماع الببغاء وصراخها حول ما يقتل منها غير مفيد لها، وقس عليه. فالميل الاجتماعي هنا لم ينم بالنظر إلى منفعته؛ لأنه قد يبقى هو ولا تبقى منفعته، وإنما بالنظر إلى اللذة الحاصلة للمثل من مثله. وإذا دققنا النظر نرى أن اللذة والمنفعة مرجعهما الموافقة بالمطابقة. والموافقة بالمطابقة أعم؛ فقد تكون اللذة، وقد تكون المنفعة، وقد تكون سواهما. وهذه الموافقة لا تكون لجميع الأحوال بل لغالبها، والصفات المكتسبة عنها ترسخ حتى يعرض لها على مر الزمان ما يغلبها ويحولها عن حالها؛ ولذلك كانت الصفات المسماة غريزية أو بديهية تبقى زمانا طويلا ولو زالت المنفعة، كما في المثال المتقدم ذكره. •••
ولنعد إلى ما نحن بصدده، فنقول قد ظهر أن المشابهة بين جسم الاجتماع والجسم الحي من حيث ارتباط أعضاء كل منهما بعضها ببعض هي مشابهة تامة؛ لأن الرابط الذي يربط كلا منهما هو واحد في الأصل، وهو الشوق الأعمى الحاصل في المثل إلى مثله، ثم يعقب ذلك في الاجتماع الحيواني تقسيم الأعمال والتعاون، وذلك شبيه أيضا باختصاص الوظائف في الجسم الحي. ولا يخفى أن اختصاص الوظائف في الجسم الحي كلما نما زاد معه خضوع الأعضاء بعضها لبعض، حتى يختص السلطان الأعظم بواحد منها (أو بأكثر من واحد، ولكن بمقام الواحد)، إلى أن تصير حياة هذا الواحد بمقام الكل، كالدماغ في الجسم الحي المرتقي. وهذا موجود في الاجتماع الحيواني أيضا؛ فإن الحيوانات المجترة والصفيقة الجلد والقرود يكون لكل جماعة منها رؤساء تسود على الكل، كما يسود الدماغ في الحي على سائر أعضاء البدن، ثم يقوى سلطان هذا الرئيس حتى يصبح موضوع اعتناء الكل. ويتضح ذلك في جسم الاجتماع الحيواني أكثر مما في جسم الحي نفسه؛ لأن أعضاء جسم الاجتماع الحيواني يكون في تعاونها وخضوعها من الإدراك والاختبار ما لا يكون في أعضاء الجسم الحي.
فالرئيس في الاجتماع الحيواني كثيرا ما يستقرب إليه أتباعه بالتمليق، وهو غير ذاهل عما له عندها من رفيع المقام، وما عليه لها من المسئولية أيضا؛ فقد حكى «برهم» أن إناث القرود يجتمعن حول القرد الشيخ، ويبذلن العناية في تفليته من القمل، فيطيب نفسا بذلك، ولكن لا تأخذه غفلة عن مصلحة الجمهور؛ فهو دائما يقظان يجيل عينيه من مكان إلى مكان، ويصعد من وقت إلى آخر إلى رأس شجرة عالية ليستكشف ما في الجهات المجاورة، ثم يخبر سائر القرود بنتيجة استكشافه، سليمة كانت أو غير سليمة، بأصوات خصوصية مفهومة عندها. وهذه الأفعال التي تربط أفراد الاجتماع الحيواني، وهي تقسيم الأعمال واختيار العمال، هي الرابطة لأفراد الاجتماع البشري أيضا. وهذا يدلنا على أن في الحيوان جرثومة ما هو نام جدا في الإنسان، كما أن في الكريات الحية نفسها جرثومة ما هو نام جدا في الحيوان. •••
अज्ञात पृष्ठ