قال الجاحظ: يزعم أن كل حيوان يلد حيوانا مثله لا يخلو أجناسه من المعز والضأن، فالجواميس عندهم ضأن البقر والبخت عندهم ضأن الإبل والبراذين ضأن الخيل، والجاموس شجيع شديد البأس وهو مع ذلك أجزع خلق من عض جرجسه وبعوضة واشد هربا منها إلى الماء وهو يمشي إلى الأسد رخي البال رابط الجأش، ثابت الجنان، ويقال: إن سبب إخراجها من معادنها هو أن الطريق الذي بين انطاكية ومصيصة كانت مسبعة فشكي ذلك إلى الوليد بن عبد الملك فحمل منها أربعة آلاف جاموس وجاموسة مما كان الحجاج بن يوسف بعث به لما فتح بلاط الزط) ومن أرض الزط (على يد محمد بن القاسم وجعل ألفي جاموس وجاموسة في آجام كسكر لما بنىواسط فهربت السباع حتى ما بقي منها شيء، وذكر الجاحظ: أن المعتصم أبرز للأسد جاموستين فغلباه ثم أبرز له جاموسة ومعها ولد فغلبته وحمت ولدها ومنعته، ثم أبرز له جاموسا واحدا فواثبه الأسد ثم أدبر عنه هذا الحيوان على غلظه وفدامته ذكي إذا رأى راعية الأسد صاح بإناثه يا فلانة بأسماء جعلها لها أعلاما على كل واحدة منها فتخرج إليه الجواميس التي في الآجام حتى يلقيها علي الزسد فتضع رؤوسها على الأرض وتمشي إليه، فإذا وثب على إحداهن قصدته بقرنيها فيقعان في جوفه فتقتله لوقته وفي طبع هذا الحيوان كثير الحنين لوطنه الذي يؤخذ منها فمتى هرب لا يعدوه، ويقال أنه لا ينام أصلًا لشدة حراسته لنفسه وأولاده، وإذا اجتمعت ضربت دائرة وتجعل رؤوسها إلى خارج تلك الدائرة وأذنابها إلى داخلها، والرعاة والأولاد من داخل فتكون الدائرة كأنها مدينة سورها صياحيها والذكور منها يناطح ذكرا آخر فإن غلب أحدهما الآخر دخل المغلوب جمة وأقام فيها حتى يعلم من نفسه أنه قد قوى ثم يخرج يطلب ذلك الجاموس الذي غلبه فيناطحه حتى يغلبه والغالب عليه القيام في الماء إلى خرطومه، ولهذا يجعله بعض المتكلمين في طبائع الحيوان مائيا أرضيا لسكناه الآجام. والغدران وإنما بفعل ذلك هربا من البعوض لأنه ينفذ جلده مع غلظه بخرطومه.
الوصف والتشبيه
قال الوزير أبو القاسم علي بن الحسين المعري من رسالة: وأما الجواميس فرسلها أقوى الألبان، وأغذاءها، ومسارحها أفره المسارح، وأعلاها لأنها أبدا خائضة في الغدران الصافية ومستظهرة بالأسلحة العادية، ولها من الرئاسة في العين الرائعة والعوامل النافعة، ما للبخت على العراب ومن القوة والصلابة، والشدة والنجابة ما للإبل الصلاب في الليوث العادية والسباع الضارية، ولها حق لكافة الجنسالذي تولت الرئاسة عليه والعمادة فيه، لأنها ألقت بالأنيس، ولم تضجر، وتوفرت على الخاصة فلم تقفر، ولعلها لو تدبرت تلك البراري، وظهرت إلى تلك الصحارى لما اشتغلت العرب من السوائح والبوارح إلا بها، ولا اتخذت أمثلة الزجر والعيافة إلا منها، ولكنها تكرمت على ذلك العيش المتيسر، واجتنت الأخبار في تخير ذلك البؤس المستمر، وإذا كانت البقر تضرب مشاهدتها فألا للسنين المقبلة، وينطق بذلك آيات القرآن المنزلة ويفسر على ذلك ما يرد منها في الأحلام الصادقة حتى كان من دلائل النبوة الصادقة فهذه بمثل ذلك أجدى، وبالتبرك عند مشاهدتها والتيمن بملاحظتها أولى وأشبه وقال بعضهم من أبيات:
وأما الجواميس فهي التي ... تفوق جميع ذوات الحلب
كأن الملم بأخلاقها ... ألم بملئ العوادي السرب
منيم الرعاة على أمنها ... ويسرح في كل عبء أشب
ويلقى الأسود بمثل الحراب ... فتلقى الأسود بهن الحرب
القول في طبائع الضأن
1 / 60