وفسر بعض المعتنين بتفسير أمثال العرب قولهم) أحمق من النعامة (إن من جمقها إذا أدركها القانص أدخلت رأسها في كثيب رمل تقدر أنها قد اختفت منه، وهو قوي الصبر من الماء شديد العدو وأشد ما يكون عدوًا إذا استقبل الريح، وكلما كان أشد لعصوفها كان أشد حضرًا، وهو في عدوه يضع عنقه على ظهره ثم يخرق الريح، وهو يبتلع العظم الصلب والحجر والمدر والحديد فيميعه بحر قانصه حتى يصير كالماء، ويبتلع الجمر حتى ينفذه إلى جوفه فيكون جوفه هو العامل في إطفائه، ولا يكون الجمر هو العامل في إحراقه، وفي ذلك أعجوبتان أحدهما التغذي بما لا يغذو، والآخر الاستمراء والهضم، وهذا غير منكر لأن السمندل وهو على ما زعم بعضهم دابة توجد ببلاد الهند، وبلاد السند دون الثعلب خلنجية اللون، حمراء العين، ذات ذنب طويل ينسج من وبرها مناديل إذا اتسخت القيت في النار المتأججة فيزول منه الزهم، ولا تحترق وببلاد الترك جرذان تسلخ جلودها، وتتخذ من وبرها مناديل إذا اتسخت غسلت بالنار بأن يلقى فيها ولا تحترق، وزعم آخرون أن السمندل طائر ببلاد الهند يبيض ويفرخ، وفيه من الخاصية أن يدخل النار ويخرج منها ولا يحترق ريشه، ويعمل جلده مناديل العمر فكما أن خاصية هذا الحيوان في ظاهره كانت خاصية النعام في باطنه، والباطن كله من الحيوان أنعم من الظاهر وقد حكى أبو عبيد البكري في كتاب المسالك والممالك لما ذكر قابس أن بعض أهل البادية دخل على أميرها بطائر على قدر الحمامة ذكر أصحابه أنهم لم يروه قبل ولا عهدوه، وكان فيه من كل لون، وهو أحمر المنقار فأمر بقص جناحيه، وأن يرسل في مصره فلما كان الليل أوقد بين يدي الأمير مشعل فلما رآه الطائر قصده وأراد الطلوع إليه، فلم يستطع النهوض فما زال يجهد نفسه حتى صعد إليه واستوى في وسطه وجعل يتفلى فيه كما يفعل الطائر في الشمس، فلما قضى وطره منه نزل، والنعام يصاد بالنار كما يصاد سائر الوحش فإنه إذا رآها دهش لها واعتراه فكر فيها فيقف وقوف حيرة فيتمكن منه الصائد حينئذ.
الوصف والتشبيه
قال بعض آل بني طالب شعرًا:
قد ألبس الليل حتى ينثني خلقًا ... واكب الهول بالغر الغرانيق
وانتحي لنعام الدو سهلبة ... كأنها بعض أحجار المجانيق
تسدى الرياح بها ثوبًا وتلحمه ... كما تلبس من نسج الخداريق
كأنما ريشها والريح. . . تغرقه ... أسمال راهبة شيبت بتشقيق كأنها حين هزت رأسها فرقًا سود الرجال تعادي بالمزاريق
كأن أعناقها وهنا إذا خفقت ... بها البلاقع أدقال الزواريق
فما استلذ بلحظ العين ناظرها ... حتى تغصص أعلاهن بالريق
وقال ذو الرمة من قصيدته المذهبة وذكر ناقة:
أذاك أم حاصب بالشيء مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب
شخت الجزآرة مثل البيت سائره ... من المسوح جذب شوقب خشب
كأن رجليه مسما كان من عشر ... صقبان لم يتقشر عنهما النجب
هجنع راجع في سوداء مخمله ... من القضائف أعلى ثوبه الهدب
تبرى له صلعة خرجاء خاصعة ... فالخرق دون بنات البيض منتهب
كأنها دلو بئر جد ماتحها ... حتى إذا ما رآها خانه الكرب
لا يدخران من الإيغال باقية ... حتى تكاد تفر عنهما الأهب
فكل ما هبطا في شاؤ شوطهما ... من الأماكن مفعول به العجب
لا يأمنان سباع الجو أو بردًا ... إن أظلما دون أطفال لهم لجب
جاءت من البيض زعر الألباس لها ... إلا الدهاس وأم برة وأب
كأنما فلقت عنها ببلقعة ... جماجم يبس أو حنظل خرب
حتى يفيض عن عوج معطفه ... كأنها شامل أبشارها الجرب
أشداقها كصدوع النبع في قلل ... مثل الدحاريج لم ينبت لها الزغب
كأن أعناقها كرات سائغة ... طارت لفائقه أو هيشر سلب
الباب الرابع
في ذكر الحيوان الأهلي
1 / 50