وهذا الحيوان عند المتكلمين في الطبائع، مركب من إنسان وبهيمة، وهو تدريج الطبيعة من البهيمة إلى الإنسان وهو يحاكي الإنسان بصورته وفعاله جميعًا، وله أضراس كأضراسه، وثنايا عليا كما له، ويثني يديه ورجليه كالإنسان، وللقردة فرج مثل فرج المرأة، والذكر شبيه بذكر الكلاب وأجواف القرود شبيهة بجوف الإنسان، ولذلك يستغني المشرحون بتشريح القرد عن تشريح الإنسان، وله صدر كصدر الإنسان عريض، وظهر مثل ظهره في مقابل صدره، ومن شبهه بالإنسان في سائر حالاته بأنه يضحك، ويطرف، ويقعي، ويحكي، ويتناول الشيء بيده، وله أصابع خمسة مفصلة إلى أنامل، وأظفار، ويقبل التلقين، ويأنس للأنس الشديد، ويمشي على أربع مشيه الطبيعي، ويمشي على اثنتين حينًا يسيرًا ولشفر عينيه السفلين أهداب وليس لشيء من الحيوان ذلك سواه والإنسان وإذا سقط في الماء غرق مثل الإنسان الذي لا يحسن السباحة، ويأخذ نفسه بالزواج، والغيرة على الأواج، وهما خصلتان كريمتان من مفاخر الإنسان على سائر الحيوان، وهو أيضًا يقمل وإذا قمل تفلا ويرمي وبالقمل إلى فيه ويأكله، وإذا ألح به الشبق استمنى بفيه، والأنثى تلد قرودًا عديدة نحو العشرة وأكثر كما تلد الخنزيرة، وتحمل بعض أولادها كما تحمل المرأة، وقال من سبر حال هذا الحيوان أن الطائفة من القرود إذا أرادت النوم ينام الواحد في جنب الآخر حتى يكونوا سطرًا واحدًا، فإذا تمكن النوم منها نهض أولها من الطرف الأيمن فيمشي وراء ظهورها حتى يقعد من وراء الأقصى من الطرف الأيسر فإذا قعد صاح فنهض الذي كان يليه، وفعل فعله، يكون هذا من الطائفة الليل كله، فيبيت في أرض ويصبح في أخرى، وفيه من قبول التأديب والتعليم والإخفاء به على أحد، ولقد درب قرد ليزيد بن معاوية على ركوب وحشي وسابق به الخيل، وفيه يقول شاعر وقد سبق باتان ركبها فرسًا:
من مبلغ القرد الذي سبقت به ... جياد أمير المؤمنين أتان
تمسك أبا قيس بفضل عنانها ... فليس عليها إن هلكت ضمان
والعامة تقول: القرد قبيح لكنه مليح، يشيرون إلى خفة روحه وكيسه، وحكى المسعودي في كتاب المروج إن القرود من أماكن كثيرة من المعمورة عد منها وادي نخلة وهو بين الجند، وبلاد زبيد، قال: وفي هذا الوادي عمائر كثيرة، ومصبات للمياه، وبقعته بين جبلين، وفي كل جبل منها طائفة من القرود يسوقها هزر) والهزر القرد العظيم المقدم منها (قال: ولهم مجالس يجتمع فيها خلق عظيم كثير منهم فيسمع لهم حديث ومخاطبات، والإناث في ناحية الذكور، والرئيس متميز عن المرؤوس، وربما سمعهم من لا يعلم أنهم قرود فظن أنهم ناس يتحدثون وباليمن قرود كثيرة في نواحٍ متعددة منها، في ذفار من بلاد صنعاء في برار وجبال كأنها السحب، وتكون القرود بأرض النوبة، وأعلى بلاد الأحابيش وهذا الضرب من القرود حسن الصورة خفيف الروح ذو وجه مدور وذنب مستطيل سريع الفهم لما يرشد إليه، ومنها بخلجان نهر الزانج، وبحر الصين، وبلاد المهراج وفي ناحية الشمال نحو أرض بلاد الصقالبة أجام وغياض فيها ضروب من القرود منتصبة القامات مستديرة الوجوه والأغلب عليها صور الناس وأشكالهم، ولها شعور، وربما وقع في النادر منها إذا احتيل عليه فاصطيد، فيكون في نهاية الفهم والدراية، إلا أنه لا لسان له يعرفه عما في نفسه، ولكنه يفهم كلما يخاطب بالإشارة، من النواحي التي بها القرود، جبل موسى المطل على مدينة سبتة من بلاد المغرب، والقرود التي فيها قباح الوجوه جدًا، عظام الجثث وجوهها وجوه الكلاب لها خطوم، وليس أذانب، وأخلاقها صعبة لا تكاد تتطلب فيها ما تعلم إلا بعد جهد.
القول في طبائع النعام
1 / 48