زعم بعض الباحثين عن طبائع الحيوان أن الفيلة مائية الطباع بالجاموسية والخنزيرية التي فيها، وبعضها يسكن الماء، وبعضها لا يسكنه، وزعم آخرون أن الفيلة ضربان فيل، وزندفيل، وهما كالبخث والعراب، والبقر والجواميس والبراذين والخيل، والفأر والجرذان والنمل والذر، وبعضهم يقول: الفيل الذكر والزند فيل الأنثى، وهذا النوع لا يتلاقح إلا في بلاده، ومعادنه ومغارس أعراقه وإن صار أهليًا، وهو إذا اغتلم أشبه الجمل في ترك الماء، والعلف حتى ينظم ايطلاه، ويتورم رأسه، ولم يكن لسواسه غير الهرب منه، وربما صار وحشيًا، وجهل جهلًا شديدًا، والفيل ينزو إذا مضى له من العمر خمس سنين، واقل من ذلك قليلًا، وزمان نزوه الربيع، والأنثى تحمل سنتين وإذا حملت لا يقربها الذكر ولا يمسها وهي تفذ ولا تتئم، ولا ينزو الذكر عليها إذا وضعت إلا بعد ثلاث سنين، ولا ينزو إلا على فيلة واحدة، وله عليها غيرة شديدة، وإذا تم حملها وأرادت الوضع دخلت النهر حتى تضع ولدها في الماء لأنها تلد قائمة إذ لا فواصل لقوائمها فتبرك، والذكر بعد ذلك يحرسها وولدها من الحيات وذلك لعداوة أصلية بينهما، ووضع ذكر الفيل شبيه بوضعه في الفرس لكنه صغير عند جنبه وهو في الفرس العتيق صغير أيضًا، وانثيا الفيل داخله ببدنه قريبًا من كليته، ولذلك يسفد سريعًا كالطير، لأن كونها داخلًا وقريبًا من القلب فتنضح المني بسرعة، ويقال أن الفيل يحقد سريعًا كالجمل ويحفظ الشيء الذي يكرهه على القيم عليه حتى يقابله عند تمكنه منه وربما قتله، وزعم الهند أن لسانه مقلوبة ولولا ذلك لتكلم وهو صغير، ويجعلون نابيه قرنيه يخرجان مستنبطين حتى يخرقا الحنك وعلم ذلك من تشريحه ويوجد فيها الأعقف والمستقيم، قال المسعودي: وربما بلغ الناب منها خمسين ومئة من ذلك، والفيل يحمل بهما على الجدار الوثيق البنيان فيلقيه على الأرض وقد فتح به محمود بن سبكتكين مدينة الطاق، وهي من أعظم الحصون التي ببلاد سجستان فإنه جعل نابيه تحت بابها فاقتلعه، وهو أسرع الحيوان الوحشي أنسًا بالناس وسرعة الأنس دليل على حسن الطباع واعتدال الأخلاط ودماثة الأخلاق، وخرطومه من غضروف، وهو أنفه ويده التي يوصل بها الطعام إلى فيه، ويقاتل بها وبه ويصيح، وليس صياحه على مقدار جثته لأنه كصياح الصبي وينزل منه منزلة عنقه، وله فيه من القوة بحيث يقلع به الشجر من منابتها، وفي طبع الفيل، أنه إذا سمع صوت الخنزير ارتاع ونفر، واعتراه الفزع والجزع، وإذا ورد الغدران والأنهار للشرب وكان الماء صافيًا، فهو أبدًا يثيره ويكدره كالخيل لأنها ترى صورتها على سطح الماء فيتوهم أنه غيرها فينفر منه، وهو قليل الاحتمال للشتاء، والبرد، ويعوم ويسير منغمسًا ما عدا خرطومه، لأنه منه يتنفس ولا يقدر على السباحة لثقل جثته، وفيه من الفهم أنه يقبل التأديب، ويفعل ما يأمره به سائسه من السجود للملوك وغير ذلك من الخير والشر في حالتي السلم والحرب، وفيه من الأخلاق أنه يقاتل بعضه بعضًا قتالًا شديدًا، والمقهور بخضع للقاهر ويخاف من سطوته، ويقال: أنه يصاد باللهو والطرب واللعب والزينة وريح الطيب والنساء يصدنه بذلك، وربما احتيل على صيده، بأن يترقب حالة سكونه، وهدوئه وذلك أنه لا ينام إلا معتمدًا على ساق شجرة إذ لا يمكنه الاضطجاع لكون قوائمه لا مفاصل لها لكنها كالأساطين المصمتة، والسواري الوثيقة، والصيادون يأتون الشجرة التي غالب أوقاته يعتمد عليها فيضعفون أصلها فإذا أتى على عادته إليها ليعتمد عليها، انكسرت فسقط، وبقي عاجزًا لا يقدر لنفسه بشيء فيصيدونه كيف شاءوا، والهند تعظم الفيل وتشرفه، لما اجتمع فيه من الخصال المحمودة من علو سمكه وعظم صورته وبديع منظره، وطول خرطومه، وسعة إذنه وطول عمره، وثقل حمله وخفة وطئه فإنه ربما مر بالإنسان فلا يشعر به لحسن خطوه واستقامته، وللهند طيب يجمعونه من جباه الفيلة ورؤوسها، فإنها إذا اغتلمت عرقت هذه الأماكن منها عرقًا كأنه المسك ويستعملونه لظهور الشبق في الرجال والنساء، ويزعمون أنه يشجع القلب ويقوي النفس ويبعثها على الإقدام، والفيل يشب إلى تمام مئة وستين سنة، ويعمر مائتي سنة وأكثر، وحكى أرسطو أن فيلًا ظهر عمره أربعمائة سنة، وحكى بعض المؤرخين أن فيلًا سجد لابرويز، ثم سجد ثم سجد للمعتضد، وبينهما الزمان الذي ذكره أرسطو
1 / 39