وهو صنفان: أهلي ووحشي، وكأنه مشترك بين السبعية والبهيمية فالذي فيه من السبعية الناب، وأكله الجيف، والذي فيه من البهيمية الظلف وأكله العشب، والعلف، وهذا النوع يوصف بالشبق، وكثرة السفاد حتى أن الأنثى منها يركبها الخنزير، وهي ترجع، وربما قطعت أميالًا، وهو على ظهرها ويرى أثر ستة أرجل من لا يعرف ذلك فيظن أن في الدواب ما له ستة أرجل وذكر الخنازير يطرد الذكور عن الإناث، وربما قتل واحد منهما صاحبه، وربما هلكا جميعًا وإذا كان زمان هياج الخنازير تطاطئ رؤوسها، وتحرك أذنابها، وتتغير أصواتها وتضع للخنزيرة عشرين خنوصا، وتحمل من نزوة واحدة، والخنزير ينزو إذا تمت له ثمانية أشهر، وإذا بلغت الخنزيرة خمسة عشر سنة لا تلد، ويقال أنه ليس للخنازير زمان للنزو، لأنها تنزو إذا شبعت، والخنزيرة أنسل الحيوان، والذكر أقوى الفحول على السفاد وأطولها مكثًا فيه، ويقال: إنه ليس لشيء من ذوات الأنياب ما للخنزير من القوة في نابه، حتى أنه يضرب بنابه صاحب السيف والرمح فيقطع كل ما لقي من جسده من عظم وعصب، وربما طال ناباه حتى يلتقيان فيموت عند ذلك جوعًا لأنهما يمنعانه من الأكل، وهو متى عض كلبًا سقط شعر الكلب وهو وإن صار أهليًا بعد أن كان وحشيًا، لا يقبل التأديب على حال حتى كأنه بهيمة في طباع ذئب، وإذا رأى الأسد جرب نفسه لمحاربته وذلك أنه يضرب الشجر بنابه، فإن قطعها حارب الأسد، وإلا هرب، وفي طبعه أنه يحذر الكمين، كما يحذر الجاموس من البيات فترى الخنازير إذا طردت وأريعت تقسم الحذر بين الشخصين شخص تتوقعه، وآخر تعاينه، ويجعل لها في سيرها حامية منها وساقه، ومنها استفادت المقاتلة حذر الكمين، وإعداد الحامية، والساقة في الحرب، وهو يطلب العذرة وليست كالجلالة، وإنما يطلب أحرها وأنتنها وأقربها عهدًا بالمخرج، وهو في القرى يتعرف أوقات الصبح والفجر، وقبيل ذلك وبعده يزور الناس للغائط فيعرف من كان قائمًا في بيته أنه قد أسحر، بأصواتها، ومرورها ووقع أرجلها في الغيطان، ولذلك يضرب المثل ببكوره، ويعتري ذكوره داء الحلاق، واللواط، فربما يرى الخنزير وقد ألجأه أكثر من عشرين خنزيرًا إلى مضيق ثم ينزو عليه الأمثل فالأمثل حتى يبلغ آخرهم، وهذا إنما يكون عن ضعف في ذكر بعينه، أو تأنيث في طبعه، أو يكون في أعينها من الاستحسان شبيهًا بالذي يراه بعض الرجال في الغلمان، والأحداث والشبان، وهو إذا قلعت إحدى عينيه هلك عاجلًا، وتقول الأطباء: أنه متى فسد من عظام الإنسان عظم ووضع في مكانه عظم خنزير قبلته الطبيعة، ونبت عليه اللحم وفيه من الشبه به إنه ليس له جلد يسلخ إلا أنه يقطع ما تحته من اللحم، وهو يعيش من خمس عشرة سنة إلى العشرين على ما حكاه أرسطو في كتاب الحيوان.
الوصف والتشبيه
لم أجد في صفته لأحد من الشعراء شيئًا، وإنما عثرت لعطاء بن يعقوب الغزنوي في رسالة كتبها يعرض فيها بقاض: وما مثل فلان في استتابته إلا كمثل رجل رأى في المنام أنه يضاجع خنزيرًا، فبكر إلى المعبر ليعبر منامه تعبيرًا فقال له المعبر: يا برذعة الحمير ما غرك بالخنزير؟ ألين ملمسه أم حسن معطسه، أم شكله الشريق أم طرفه العشيق، أم لقاؤه البهيج أم قبيعة الغنج أم شعره الرجل أن ثغره الرتل.
القول في طبائع الدب
1 / 33