ولكن كيف نشأ هذا النظام، ووجدت الأشياء من ذلك العماء؟ إلى الآن لم يجب عن هذا السؤال، وقد أفحم الطفل الذكي أبيقور أستاذه - وقد كان يقرر له أن العالم نشأ من العماء - بسؤاله: «ومن أين نشأ هذا العماء؟!» إن العنصر أو العناصر التي يظن أنه ينبثق منها كل موجود، وينظم هذا النظام التام لا بد أن يكون لها علة، وقد ذهب بعض الفلاسفة مثل ديمقريطس وهيرقليطس إلى أن وحدة
Unity
العالم ليست إلا مظهرا فقط، والحقيقة أن هناك عددا لا نهاية له من جزيئات لا عداد لها (جواهر فردة) تتحرك في الفراغ لا لغرض ولا مقصد، فتجتمع تارة وتتفرق أخرى، وليس تجمعها أو تفرقها يرجع إلى سبب علوي، ولكن تبعا للحركة الوقتية التي هي جزء من حقيقتها، وليس عندهم ما يسمى بعلة العلل، وإنما تتحرك الجواهر الفردة في فضاء لا نهاية له، وفي زمن لا نهاية له، فيجتمع منها ما يمكن أن يتجمع، ويحصل ذلك ويتكرر، ويسمى هذا المذهب مذهب الجوهر الفرد.
مثل هذا الشرح لا يقنع الإنسان طويلا؛ فإن عادته التي لا تفتأ تسأل عن العلة الأخيرة لهذه الظواهر، وما فيه من مشاعر غامضة قوية أهمها شعوره بضرورة اعتماده على قوة، وحاجته إلى واق يقيه، حملته على الاعتقاد بوجود قوة علوية لا تدركها الأبصار، قوة شاعرة بأن لها إرادة «ولها بعض الشبه البعيد بعقل الإنسان»، وهذه القوة هي سبب نظام العالم، هي سر كل شيء، إياها يستعين الإنسان على ما يطلب من حماية وسعادة. وذلك العماء
5
الذي ذكرناه لا بد أن يكون له مدبر يضبط أموره، وهذا المدبر هو ما يعلل به نظام العالم، وهو مفتاح يحل به أعظم الألغاز المعقدة، ويشرح لنا الغرض من هذا العالم، قال مكس مولر: «إن النظر في الظواهر الطبيعية قاد الإنسان إلى إدراك خالق وراء هذه الظواهر.»
تلك القوة العلوية هي الله، ومن قبل أن طلعت شمس المدنية والناس يقرون بوجوده، وكل جنس وجيل تقريبا سماه باسم خاص مثل: يهوه، وجوبتر، والسيد المالك، وما لا يحد وما لا يعرف، والإرادة المطلقة، ومسخر العالم إلخ.
وإن السماء لدليل على عظمته.
وكما قال «تنيسن»:
كلا، ليس الشمس والقمر والنجوم والسهل والحزن إلا منظرا من مناظر رب العالمين.
अज्ञात पृष्ठ