7
لأنه يعتقد أن كل شيء قدرته الطبيعة، وهي رحيمة عادلة تريد الخير.
أما أبيقور (337 أو 341-270ق.م) فكان يعلم أن لا خير للإنسان إلا اللذة، والعقل يساعده على تحصيلها، وكان أبيقور كسائر فلاسفة اليونان يسلم بأن الأخلاقية
8
والسعادة مترادفان، وأن فن السلوك
9
فن يعلم الإنسان كيف يروي نفسه باللذائذ، وعنده أن لا معنى للأخلاقية إلا الفهم الصحيح لفائدة الإنسان الشخصية، وبعبارة أخرى الأثرة (الأنانية) المهذبة، وإذا ضحى الإنسان بنفسه أو آثر غيره بشيء فليس معنى ذلك أنه يعمل على خلاف طبيعته أو يعاكس رغبته في اللذة المتأصلة في أعماق نفسه، بل إنه إنما يفعل ذلك لما عنده من قوة التفكير؛ ذلك لأنه لما كان عاقلا كان في استطاعته أن يرفض لذة وقتية عاجلة للحصول على لذة أكبر منها آجلة، وأن اللذائذ السريعة الزوال والانهماك في الترف لا تعد شيئا إذا قيست بتلك اللذة الباقية - لذة العقل - التي بها تطمئن النفس، ومنها تتخذ عدة لحوادث الدهر وصروف الزمان.
وإذا كان بعض اللذائذ يعقب ألما كان لا بد من تنظيم رغبتنا في اللذة بالحزم؛ ومن ذلك تنتج جميع الفضائل؛ فإن صحة البدن واطمئنان العقل أعظم سعادة في الحياة، وهما نتيجة ما ذكرنا؛ «ونحن لا نستطيع أن نحيا حياة لذة ما لم تكن حياة حزم وشرف وعدل، كما أنه لا نستطيع أن نحيا حياة حزم وشرف وعدل ما لم تكن حياة لذة.» وقد نضطر أحيانا إلى تحمل ألم وقتي للحصول على لذة مستمرة. وليس يعني أبيقور باللذة الإحساسات الوقتية التي تفنى بفناء ظرفها، وإنما يعني السكينة والعيشة الراضية التي فيها نأمن عواصف الحياة.
10
ولما لم يكن من طبيعة نفس الإنسان الاقتناع بالفلسفة طويلا جاء الدين فحل محلها، وقام الأولياء والقديسون مقام الشعراء والفلاسفة اليونانيين، وأثارت النصرانية ثورة لم يشهد الإنسان قبلها مثلها، فغيرت الأفكار تغييرا تاما حتى لم تستطع عقائد اليونان أن تقف أمام سلطانها، ونبذت أكثر التعاليم الأخلاقية التي وضعها قدماء الوثنيين، فكانت النصرانية كما قال «نيتشه»: «مقومة للأشياء من جديد.»
अज्ञात पृष्ठ