मा वारा अडयान
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
शैलियों
تتجلى الحاجة إلى القناعة على نحو مؤلم في الأزمة المالية الأخيرة، التي لا نزال نشعر بتداعياتها في أنحاء عالمنا العميق الترابط. من السهل إلقاء اللوم على السياسيين لفشلهم في تنظيم المؤسسات المالية تنظيما كافيا. مع ذلك، نشأت هذه الأزمة بصفة أساسية بسبب الجشع نفسه، وبسبب الفشل في ممارسة الاعتدال المناسب وضبط النفس في السعي الأعمى وراء تحقيق المزيد والمزيد من المكاسب. إضافة إلى ذلك، فقد أوضح لي رجل أعمال إيطالي أن العالم كان يشهد مضاربات مفرطة. تعني كلمة «مضاربة» في حد ذاتها، التصرف دون كامل معرفة. وفي هذه الحالة، من الواضح أن مستوى الحذر والتواضع الملائم للإجراءات المتخذة دون معرفة كاملة، لم يكن موجودا. وفي هذه الحالة، كانت المشكلة في الأساس هي الغطرسة وقصر النظر. أما المشكلة الثالثة فكانت الافتقار إلى الشفافية، مما سمح بزيادة عدم الأمانة والخداع دون رقابة. لم يكن هناك شيء حتمي بشأن أي من هذه العوامل. فجميعها ببساطة نقائص أخلاقية يأتي الجشع في مقدمتها. والترياق الوحيد الفعال للجشع هو الاعتدال والقناعة.
من المؤكد أنني لا أقترح أن الفقر أمر مقبول حين أحتفي بفوائد البساطة والتواضع. على العكس تماما، فالفقر مشقة رهيبة، علينا أن نفعل كل ما يسعنا فعله لإنهائها. فعلاوة على أنه يجعل البقاء صراعا، فإن الفقر غالبا ما يضعف البشر، ويؤدي إلى شعورهم بالروع أو وهن العزيمة. وقد يؤدي أيضا إلى كرب نفسي عميق ويسلب الناس أي فرصة في تحسين وضعهم الاقتصادي. وبهذه الطرق، يتسبب في معاناة الفقراء بشدة. لكن على المستوى الشخصي، كلما أسرعنا في تقبل أن الثروات وحدها لا تجلب السعادة، وكلما أسرعنا في تعلم العيش بحس من التواضع، أصبحنا أفضل حالا، لا سيما فيما يتعلق بسعادتنا.
سيفرض المكان والزمان دائما قيودا على مقدار الثروة الذي يمكن لأي شخص أن ينجح في تجميعه في حياته. وعلى ضوء هذا الحد الطبيعي، يبدو من الحكمة أن يضع المرء حدوده الخاصة من خلال ممارسة القناعة. ولكن على النقيض من ذلك، عندما يتعلق الأمر باكتساب الثروات العقلية، فلا حدود للإمكانات. وفي ذلك الجانب حيث لا يوجد حد طبيعي، من الملائم «ألا» تقنع بما لديك وتظل تسعى باستمرار من أجل المزيد. غير أن معظمنا للأسف يفعل العكس تماما. فنحن لا نرضى أبدا بما لدينا ماديا، لكننا نميل إلى الرضا التام بثرواتنا العقلية. (3) الانضباط الذاتي
يعد الانضباط الذاتي من الأمور الوثيقة الصلة بقيمة القناعة. حقيقة الأمر أن قيمة القناعة تستلزم ممارسة درجة معينة من الانضباط الذاتي، وينطبق ذلك بالطبع على جميع القيم الداخلية التي يناقشها هذا الكتاب.
إن أهم ما يتعلق بفضيلة الانضباط الذاتي، هو أنها يجب تبنيها طواعية. فعندما يفرض الانضباط من الخارج، نادرا ما يكون فعالا، بل يؤدي أحيانا إلى نتيجة عكسية. وعندما يفرض الانضباط بالخوف، سواء أكان الخوف من سلطة خارجية أم الخوف النابع من تهيئتنا الثقافية أو الدينية، فغالبا ما يمارسه الفرد بحماس شديد الضآلة. ونتيجة لذلك، نادرا ما يأتي الانضباط المفروض من الخارج بتحول داخلي.
من الناحية الأخرى، إذا مارسنا الانضباط الذاتي طواعية، تقديرا لقيمته وفوائده في الامتناع عن العادات السيئة، فمن الطبيعي أن نتعهده بعزم أكبر. وهذا بدوره يجعل انضباطنا الذاتي أكثر استدامة.
من أجل تنمية مثل هذا الانضباط الذاتي الطوعي، علينا مرة أخرى أن نستغرق بعض الوقت في إدراك فوائده العديدة والتعمق فيها، وليس ذلك فيما يتعلق بالفوائد التي تعود علينا فحسب، بل تلك التي تعود على الآخرين أيضا وحتى البشرية ككل. من خلال القيام بذلك، يمكننا توليد الحماس المطلوب للحفاظ على تحفيزنا وتصميمنا.
من المفيد أن نبدأ بالتفكير في الضرر الذي نلحقه بأنفسنا، حتى على المستوى الجسدي، عندما ننصاع وراء الإغراء والعادات السيئة. كما يمكننا النظر بعد ذلك في الضرر الذي تلحقه عاداتنا السيئة بالآخرين. من السهل أن نفترض أن سلوكنا الشخصي وعاداتنا أمور لا تترك تأثيرا حقيقيا لدى الآخرين، لكن ذلك نادرا ما يكون صحيحا. فلنفترض على سبيل المثال، أن فردا في إحدى العائلات مدمن للمخدرات. رغم أن أفراد العائلة الآخرين لن يعانوا بالطبع الآثار السلبية المباشرة للمخدرات، الجسدية منها والنفسية، فهذا لا يعني أنهم لن يصابوا بالأذى. فمن المرجح جدا أنهم يكونون في غاية القلق والهم، وسيعانون أيضا ما قد يصاحب الموقف من آلام شديدة ومضاعفات. ولذا، عند النظر في الضرر الذي نتسبب فيه عند الافتقار إلى الانضباط الذاتي في عاداتنا الشخصية، يجب أن نتذكر دائما أولئك الذين يهتمون بصالحنا، والذين يرتبط صالحهم بصالحنا ارتباطا وثيقا.
قد يكون من المفيد أيضا تذكر الآثار الضارة لافتقار الانضباط الذاتي على مستوى اجتماعي أوسع. فأنا أعتقد أن مشكلة الفساد التي تسود في مناطق كثيرة من العالم ليست في الواقع سوى انعدام الانضباط الذاتي. فدائما ما يكون الفساد استسلاما للسلوكيات التي تخدم المصالح الشخصية من جشع، وتحيز، وغش. وحتى وجود نظام قانوني عادل ومنصف لا يفيد كثيرا عندما يشله الفساد.
من خلال الوعي الذي يتشكل من التفكير في عواقب الافتقار إلى الانضباط الذاتي، يمكننا أن ننمي تدريجيا قدرة أكبر على مقاومة الإغراءات في حياتنا. وفي النهاية، سنبدأ من خلال الممارسة المستمرة في التحلي بالانضباط الذاتي تلقائيا ولن يعود يتطلب جهدا واعيا وقوة إرادة. وفي تلك المرحلة، عندما يتحقق ضبط النفس والاعتدال على نحو طبيعي، نبدأ في الشعور بالحرية الكبيرة التي تنبع من التحكم في النفس. تمتدح جميع التقاليد الدينية الرئيسية حول العالم فضيلة الانضباط الذاتي. ففي الإسلام على سبيل المثال، ثمة تركيز قوي على فضيلة «الصبر»؛ أي الرسوخ أو التحكم في النفس، أو الحلم، أو الثبات، وأولئك الذين يتمتعون بهذه الصفة؛ الصابرين، قيل عنهم إن الله يحبهم.
अज्ञात पृष्ठ