मा वारा अडयान
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
शैलियों
يتضح من هذا إذن أن جميع الأديان تؤسس، بدرجة أو بأخرى، غرس القيم الداخلية والوعي الأخلاقي على نوع ما من الفهم الميتافيزيقي (أي لا يمكن إثباته تجريبيا) للعالم وللحياة ما بعد الموت. ومثلما أن عقيدة الدينونة الإلهية تؤسس للتعاليم الأخلاقية في العديد من الديانات الألوهية، فإن عقيدة الكارما والحيوات المستقبلية تؤسس لها في الأديان غير الألوهية.
في سياق الأديان، يكون لهذا الفهم، سواء أكان ألوهيا أم غير ألوهي، أهمية كبيرة؛ إذ إنه لا يوفر الأسس لاتخاذ القرار بشأن عيش حياة أخلاقية فحسب، بل يضع أسس الخلاص أو التحرر ذاته أيضا. ولهذا، فبالنسبة إلى ممارسي الشعائر الدينية، لا يمكن الفصل بين السعي لحياة أخلاقية والتطلعات الروحية النهائية.
لست ممن يعتقدون أن البشر سيكونون على استعداد للاستغناء عن الدين بالكلية قريبا. وعلى العكس من ذلك، أرى أن الإيمان قوة لتحقيق الخير ويمكن أن يقدم فائدة عظيمة. فمن خلال تقديم فهم للحياة البشرية يتجاوز وجودنا المادي المؤقت، يمنح الدين أملا وقوة لأولئك الذين يواجهون الشدائد. إن قيمة تقاليد الإيمان العظيمة في العالم هي موضوع ناقشته بإسهاب في كتاب سابق بعنوان «نحو قرابة حقيقية للأديان». بالرغم من ذلك، فمع جميع فوائد الدين في التقريب بين الناس، ومنح التوجيه والسلوى، وتقديم رؤية للحياة الطيبة التي يمكن للأشخاص السعي جاهدين لمحاكاتها، لا أعتقد أن الدين عامل ضروري في الحياة الروحانية.
لكن ما تأثير هذا فيما يتعلق بترسيخ الأخلاق وتنمية القيم الداخلية؟ اليوم في عصر العلم الذي يرى الكثيرون فيه أن الدين لا معنى له، ما الأساس الذي يتبقى لنا لمثل هذه القيم؟ كيف يمكننا إيجاد طريقة لتحفيز أنفسنا أخلاقيا دون الاستناد إلى معتقدات تقليدية؟
إنني أعتقد أن البشر يمكنهم العيش من دون دين، لكنهم لا يستطيعون العيش من دون قيم داخلية. ولذا فإن حجتي لاستقلال الأخلاق عن الدين هي حجة شديدة البساطة. فللروحانية، كما أراها، بعدان. البعد الأول هو أن السلام الروحي الأساسي، الذي أعني به القوة الداخلية والتوازن الداخلي على مستوى العقل والوجدان، لا يعتمد على الدين، بل يأتي من طبيعتنا البشرية الفطرية بصفتنا كائنات تتسم بنزعة طبيعية للتعاطف والطيبة والاهتمام بالآخرين. البعد الثاني هو ما يمكن اعتباره روحانية قائمة على أساس ديني، وهو بعد آلي نكتسبه من نشأتنا وثقافتنا ويرتبط بمعتقدات وممارسات معينة. والفرق بين البعدين يشبه الفرق بين الماء والشاي. فالأخلاق والقيم الداخلية من دون سياق ديني كالماء؛ شيء «نحتاج» إليه كل يوم للحفاظ على صحتنا والبقاء على قيد الحياة. والأخلاق والقيم الداخلية القائمة على سياق ديني هي أشبه بالشاي. فالشاي الذي نشربه يتكون في أغلبه من الماء، لكنه يحتوي أيضا على بعض المكونات الأخرى: أوراق الشاي أو التوابل أو ربما بعض السكر أو الملح، في التبت على الأقل، وهذا يزيد من قيمته الغذائية ويجعله أكثر إشباعا، وشيئا نريده كل يوم. لكن بغض النظر عن طريقة تحضير الشاي، فإن المكون الأساسي دائما هو الماء. وبينما يمكننا العيش من دون شاي، فلا يمكننا العيش من دون ماء. وعلى هذا النحو، فإننا نولد بلا دين، لكننا لا نولد بدون الحاجة إلى التعاطف.
ومن ثم، فإن روحانيتنا الإنسانية الأساسية أكثر تأصلا من الدين. فنحن نتمتع بنزعة إنسانية أساسية تجاه الحب، والطيبة، والمودة، بصرف النظر عما إذا كان لدينا إطار ديني أم لا. عندما نرعى هذا المورد البشري الأبلغ تأصلا، عندما نشرع في تنمية تلك القيم الداخلية التي نقدرها جميعا في الآخرين، فسنبدأ حينئذ في العيش بالطريقة الروحانية. يكمن التحدي إذن في إيجاد طريقة لتأسيس الأخلاق ودعم تنمية القيم الداخلية التي تتماشى مع العصر العلمي، مع عدم إغفال الاحتياجات الأعمق للروح البشرية، والتي تتمثل لكثير من الأشخاص في الإجابات الدينية. (6) التأسيس للأخلاق في الطبيعة البشرية
لا يوجد إجماع، عبر جميع الثقافات وجميع الفلسفات، بل وجميع وجهات النظر الفردية في حقيقة الأمر، بشأن التوجه الجوهري للطبيعة البشرية. إنما يوجد بدلا من ذلك الكثير من الآراء. ولتبسيط الأمر قدر الإمكان سنقول إن هناك من يعتقد، في أحد طرفي الطيف، أننا بطبيعتنا نميل إلى العنف والعدوانية والتنافس في الأساس، بينما يتبنى آخرون، في الطرف الآخر من الطيف، وجهة النظر القائلة بأننا نميل في الغالب إلى اللطف والمحبة ودماثة الأخلاق. تقع معظم وجهات النظر بين هذين الطرفين، حيث يمكن استيعاب جميع صفاتنا وميولنا بدرجات متفاوتة. وبصفة عامة، إذا اعتبرنا أن الطبيعة البشرية تغلب عليها النزعات التدميرية، فالأرجح أن أخلاقنا ستتأسس على شيء خارج أنفسنا. ذلك أننا سنفهم الأخلاق بوصفها وسيلة لتقييد تلك النزعات التدميرية بهدف تحقيق الخير الأكبر أيا كان. أما إذا نظرنا إلى الطبيعة البشرية باعتبارها تميل في الغالب نحو الطيبة والرغبة في حياة سلمية، فيمكننا إذن اعتبار الأخلاق وسيلة طبيعية تماما وعقلانية لاتباع إمكاناتنا الفطرية. بناء على هذا الفهم، تتكون الأخلاق بدرجة أقل من القواعد التي يلزم اتباعها، وبدرجة أكبر من مبادئ للتنظيم الذاتي الداخلي لتعزيز تلك الجوانب من طبيعتنا، والتي ندرك أنها تعود بالخير علينا وعلى الآخرين. وهذا النهج الثاني يتناغم مع رأيي الخاص. (7) ركيزتان للأخلاق العلمانية
أعتقد أن نهجا شاملا للأخلاق العلمانية، له القدرة أن يكون مقبولا على نطاق عالمي، يتطلب الاعتراف بمبدأين أساسيين فقط. كلا المبدأين يمكن فهمه بسهولة استنادا إلى تجربتنا المشتركة كبشر وفطرتنا السليمة، وكلاهما مدعوم بنتائج الأبحاث الحديثة، ولا سيما في مجالات مثل علم النفس وعلم الأعصاب، والعلوم السريرية. المبدأ الأول هو الاعتراف ب «إنسانيتنا المشتركة» وطموحنا المشترك لتحقيق السعادة وتجنب المعاناة، والثاني هو فهم الاعتماد المتبادل بصفته سمة أساسية للواقع البشري، ومن ذلك واقعنا البيولوجي كحيوانات اجتماعية. من هذين المبدأين، يمكننا تعلم تقدير العلاقة التي لا تنفصم بين رفاهيتنا الشخصية ورفاهية الآخرين، ويمكننا تطوير اهتمام حقيقي بصالح الآخرين. أعتقد أن هذين المبدأين معا يشكلان أساسا كافيا لتأسيس الوعي الأخلاقي وتنمية القيم الداخلية. فمن خلال مثل هذه القيم نكتسب الشعور بالارتباط بالآخرين، ومن خلال تجاوز المصلحة الذاتية الضيقة نجد المعنى، والغاية، والرضا في الحياة.
قبل تقديم عرض منهجي للتصور الذي لدي لهذا النهج العلماني، ينبغي أن أتحدث قليلا عن الخلفية التي تشكل آرائي بشأن هذا الموضوع، والدافع وراء ذلك.
منذ الطفولة وأنا راهب بوذي في تقليد الماهايانا التبتي. وقد تشكل فهمي للأخلاق، وكذلك لقضايا مثل الطبيعة البشرية والسعي وراء تحقيق السعادة، بناء على هذه الخلفية. وعلى المستوى الشخصي، فإن نهجي اليومي في ممارسة الأخلاق متأثر بعمق بكتابات تقاليد النالاندا الهندية، التي تجمع بين البحث الفلسفي النقدي والحياة الأخلاقية والممارسة التأملية. في سياق هذا الكتاب أعتمد على بعض مصادر تقليد النالاندا. ومع ذلك، فمن المؤكد أن نيتي، في تقديم هذا الكتاب، ليست زيادة عدد البوذيين! في الحقيقة، عندما يطلب مني تقديم التعاليم البوذية في الغرب، غالبا ما أشارك وجهة نظري الشخصية بأنها ليست بالفكرة الجيدة إلى حد كبير أن يتبنى الناس ممارسات دينية لا تستند إلى ركيزة جيدة في ثقافتهم وخلفيتهم التعليمية. فمن شأن ذلك أن يكون صعبا وأن يؤدي إلى ارتباك لا داعي له. وإن دافعي في تقديم هذا الكتاب لا يتعدى الرجاء في المساهمة في تحسين الإنسانية. إذا كانت الموارد المستمدة من تراثي يمكن أن تفيد من لا ينتمون إليه، فأعتقد أن من الجيد الاستعانة بتلك الموارد. ولا يعنيني بالطبع من تأليف هذا الكتاب نشر إيماني. لكني أدعو قرائي إلى تحري الأمور بأنفسهم والتحقق منها. وإذا وجدوا بعضا من رؤى الفكر الهندي الكلاسيكي مفيدا في عمليات بحثهم، فهذا ممتاز، وإذا لم يجدوا أي فائدة، فلا بأس بذلك أيضا!
अज्ञात पृष्ठ