وبعد أن أتم إبراهيم بناء البيت أذن في الناس بالحج.
أما بقية تاريخ الكعبة فيتلخص فيما يأتي:
وعندما مات إسماعيل وقعت الكعبة في يد الجراهمة، وظلت في أيديهم زهاء ألف سنة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى أيدي بني خزاعة، الذين أقاموا عليها أكثر من مائتي سنة، وكثيرا ما كانت تدمر بسبب السيول التي تجتاحها، ثم أعاد بناءها قصي بن كلاب الذي جعل لها سقفا، وكانت حتى زمنه مكشوفة لا سقف لها، وفي خلال هذه القرون الطويلة تطورت العبادة في الكعبة، حتى أصبحت موئل الأصنام وعبادتها، بعد أن كانت بيتا لعبادة الله جل وعلا، ولا يحدثنا التاريخ المعتمد عن الأدوار التي مر فيها هذا التطور، إنما يذكر مؤرخو العرب أن عمرو بن لحي الخزاعي كان أول من أدخل الأصنام إلى بلاد العرب، وأنه جلب أول صنم إليها وهو هبل من مدينة «هيت» في العراق، ومن ذلك الوقت أصبحت الكعبة «بانثيون » لكل القبائل؛ أي مجمعا ومقرا لأصنامها، وكان قصي أول من بنى حول الكعبة بيوتا، ولم يترك بين البيوت والكعبة إلا قدر المطاف، وأشرفت قريش على الكعبة بعد قصي فأصابها حريق، فأعادوا بناءها في حجم أصغر من حجمها الأصلي وأقاموا بداخل البناء ستة أعمدة ليعتمد عليها السقف، ثم وضعوا تمثال هبل إلى جدار في داخل الكعبة، وروى الأزرقي أن صور العذراء والمسيح وإبراهيم وإسماعيل وبعض الملائكة كانت منقوشة على بعض عمد الكعبة.
وقبيل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أصاب الكعبة سيل أوهن جدرانها فهدمها القوم بعد تردد، ثم أعادوا بناءها، حتى إذا وصلوا إلى مكان الحجر الأسود اختلفوا، وكادت تنشب حرب أهلية بينهم، لولا أنهم احتكموا إلى أول داخل من باب الصفا فكان محمد عليه السلام، فرأى بحكمته أن يفض النزاع، بأن وضع الحجر على ثوبه، ثم كلف أهل القبائل المختلفة برفعه ووضعه في المكان بيده.
وبعد فتح مكة طهر النبي الكعبة من كل أثر للوثنية، فحطم الأصنام وطمس الصور، وأعاد إليها بساطة التوحيد.
وفي أيام يزيد بن معاوية حاصر قائده الحصين بن نمير السكوني مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق فتناثرت حجارتها واشتعلت فيها النيران؛ لأن بناءها إذ ذاك كان مدماكا من حجر ومدماكا من خشب، ولما مات يزيد فك الحصار عن مكة، فرأى عبد الله بن الزبير أن يعيد بناء الكعبة، فهدمها وشرع في بنائها على قواعد إبراهيم.
وفي أيام عبد الملك بن مروان حاصر الحجاج مكة، وقتل عبد الله بن الزبير، واستأذن عبد الملك في أن يعيد بناء الكعبة، ويرجعها إلى ما كانت عليه أيام رسول الله فأذن له.
وأراد هارون الرشيد أن يهدم الكعبة ويردها إلى بناء ابن الزبير، فنهاه الإمام مالك عن ذلك، وقال: «لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك، لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها»، فترك الرشيد الكعبة كما هي.
وفي سنة (1040 هجرية/1630 ميلادية) هطل بمكة مطر عظيم، ثم ارتفع حتى وصل الكعبة ووهن بناءها، وأخذت الحجارة تتساقط، فهلع الناس واضطربوا، وأرسل والي مصر محمد باشا الألباني جماعة من المهندسين والمعلمين المصريين، فهدموا بقية الجدران، وابتدءوا يبنونها عمارة جديدة، وربطوا الحجر الأسود بسوار من الفضة؛ لأنه كان قد تصدع ولما فرغ القوم من بناء الكعبة كتبوا محضرا أرسلوه إلى مصر فيه شهادة المكيين بحسن عمارة البيت.
وبناء الكعبة القائم الآن، هو البناء الذي شاركت فيه مصر بالحظ الأوفر، وأنفقت بعد أن أرسلت جميع ما يلزم من أدوات للعمارة ستة عشر ألفا من الجنيهات لإتمامها.
अज्ञात पृष्ठ